منذ فترة قصيرة تداولت وسائل الإعلام المتعددة أخبارا خاصة بإمارة دبي، الأول كان عن «ضمير الموظف بدلاً من بصمة الحضور والانصراف في العمل»، فالضمير الحي هو الشعور بالمسؤولية والشعور بالوطنية الحقيقية، فعندما يشعر المواطن بأن حكومته تسعى لإسعاده وتذليل صعوبات الحياة المعيشية وتلبية الخدمات الأساسية حتى تنقله إلى حياة الرفاهية، يكون الضمير الحي هو روح المواطنة التي تتسابق من أجل الوطن والوطن فقط، لتحط المسؤولية والرقابة الذاتية نحو ذلك بمجمله، جذور متأصلة لا يمكن نزعها، لتتولد بعد ذلك الثقة التامة بين الوطن والمواطن.
ضمير الموظف موجود ولكن يغلبه «أنا أعمل بقدر الراتب»، وهذا بالتأكيد يرجع إلى بيئة العمل، فأحياناً يعمل الموظف ليل نهار وراتبه قليل، ولكنه في بيئة تقدر عمله وتزكي أداءه، وهذا ما يجعله سعيداً ومنتجاً في عمله، ونجد في الجانب الآخر من يستغل الموظف باسم الوطنية، ولا يحصل لا على الراتب المحترم ولا على التقدير، فالتقدير والامتيازات يحصل عليها من يعمل من غير ضمير، وهذا واقع في معظم المؤسسات العامة والخاصة، «حدث ولا حرج على الفساد الإداري».
أما الخبرالثاني فهو ما قام به نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من زيارات ميدانية وجولة صباحية مفاجئة على بعض الدوائر الحكومية لم تكن في الحسبان، ليجد التقاعس عند بعض المدراء والموظفين في الدوائر التي زارها، فالتغيب وعدم الحضور مبكراً للعمل كان طامة كبرى لهؤلاء المسؤولين الذين كانوا مثالاً سيئاً للموظفين والمراجعين، ولكن زيارة حاكم دبي المفاجئة كانت مثالاً يحتذى به لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، فقد حظي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بتأييد شعبي نتيجة جولته المفاجئة والتي اعتبرها كثيرون من أساسيات الإدارة القوية.
الجميل في هذه الحادثة ليس في موضوع المسؤول والمسؤولية فقط، بل أهمية الزيارات المفاجئة، فالهدف من ذلك هو مشاهدة كل شيء على طبيعته اليومية من غير تجميل، بمعنى أنه لو علم الموظفون والمسؤولون مسبقاً بزيارة حاكم دبي لهم لكانوا «من النجمة» في مكاتبهم وسيحرص الجميع على أن يتواجد في العمل من أجل السلام عليه، ولكن باني دبي الحديثة لا تهمه الشكليات والمظاهر واللقاءات التي لا تصب في مصلحة الوطن، فالقلب إذا امتلكه حب الوطن، تخدمه كل الظروف من أجل إصلاحه وإصلاح المجتمع، وهذا ما يفعله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يشعرك بأنه موظف في الدولة مهمته أن يخدم الجميع.
للأسف، ما نلامسه عندنا وفي أغلب الدول العربية أنه عندما تعلم الدائرة الحكومية بزيارة مسؤول رفيع المستوى تبدأ بتجميل كل شيء لتبرز الجمال السطحي فقط، وبالتأكيد فإن ذلك لا يصب في مصلحة الوطن وتقدمه وتطوره وانتشال المفسد من بيئة العمل، وهذا ناتج عن عدم الثقة بالنفس ومستوى الأداء الذي يقوم به، لأنه ربما أحد هؤلاء المسؤولين الذين ليسوا أهلاً للمسؤولية الوطنية وليسوا في أماكنهم الصحيحة، وربما بعض المسؤولين أخذوا مناصب أكبر من شهاداتهم العلمية وخبراتهم العملية، «فالواسطة»، علة كل مجتمع تلعب دوراً رفيعاً، نعلم ذلك ولكن «ما في قوة» تمنع المحسوبية والوساطة في العمل، فقد أصبحت «الواسطة» من مسلمات مجتمعاتنا، وهذا ما يجعل المجتمعات تقف عند مستوى معين لا تتقدم أبداً.
أما الخبر الآخر، ما تم تداوله في مقطع فيديو لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وهو يأمر بإزالة أبواب مكاتب المدراء حتى لا يغلق هؤلاء المسؤولون مكاتبهم عن المراجعين والمتعاملين، لله درك يا محمد بن راشد آل مكتوم.. أتعبتنا كثيراً.
لقد أصبحت إمارة دبي حلم الكثيرين من العرب والأجانب، فدبي تتمتع بمقومات كثيرة جعلت غالبية الشعوب تحلم بأن تكون على أراضيها، دبي تحدت كل ظروف البيئة الصحراوية، لتكون من أجمل مدن العالم وأكثرها تطوراً وتنافس المتغيرات لتثبت أنها دبي التي لا تقهر ولا تعرف المستحيل، تخطو بخطى واثقة لتتصدر في مشاريعها بكل ثبات.
دبي لا تمتلك مصباح علاء الدين الذي حول دبي الصحراوية إلى دبي العصرية بمبانيها الشاهقة والناطحات المتميزة وإدارتها المتقنة، دبي تمتلك عزيمة وقوة إرادة ونظرة ثاقبة للتغيير والتطوير ومواكبة كل ما هو عصري مع المحافظة على العادات والتقاليد، بل استطاعت أن تحول الأراضي الصحراوية إلى منجم من ذهب، فكل شبر من أراضيها لا يقدر بثمن، فالمشاريع الخيالية في دبي قد تبدو حلماً إلا أنها تتحقق مع ولادة كل فجر جديد.