انتشر مؤخراً عدد من مقاطع الفيديو لزيارات تفقدية فجائية قام بها نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لعدد من المكاتب الخدماتية الحكومية.
الجميل في زيارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أنها كانت خالية من البهرجة الإعلامية، كان يسير منفرداً دون مسؤولين يحيطون به يميناً ويساراً، مسؤولين همهم أن يجعلوا تدفق المعلومات يأتي عبر قنواتهم فقط، فيشرحون الوضع من وجهة نظرهم، ليزينوا الواقع ويجملوا المستقبل.
والأغرب من ذلك أن الموظفين أنفسهم التزموا أماكنهم ولم يغادر أحد منهم كرسي الخدمة.
لم نرَ موظفاً «يتميلح» ويأخذ «سلفي» مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مثلاً، أو نرى موظفاً آخر يترك مقعده ويتعقب الشيخ ليشكو له الوضع الإداري التعيس الذي يعيشه والظلم الإداري الذي وقع عليه!! بل التزم جميعهم بواجب الخدمة وجلسوا في أماكنهم يكملون عملهم في جد واجتهاد، رغم أن لا أحد يشك في أن قلب كل موظف كان يتمنى مصافحة صاحب السمو. ولكنهم كانو على يقين تام بأن «التزامهم» بالعمل هو الأساس، وبأن صاحب السمو سيكون أكثر سعادة برؤية تفانيهم وإخلاصهم في العمل.
أظهرت مقاطع الفيديو هذه تلك «الثقافة» الجديدة التي لم نعتدها من قبل.
والأجمل من هذا المقطع هو المقطع الذي تلى هذه الزيارة والتي قرر فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن «يخلع» أبواب المسؤولين!! فوداعاً لسياسة الأبواب المفتوحة ومرحباً بسياسة الأبواب المخلوعة.
قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد «أمرت بإزالة الحواجز الزجاجية الموجودة بين المراجع والموظف»، وعلق ساخراً «ما هو الداعي من وراء هذه الحواجز؟! هل سيسرقك المراجع مثلاً؟!»، وفي ضربة معلم سحقت كل كتب ونظريات الإدارة الحديثة أمر صاحب السمو «بخلع» أبواب المدراء والمسؤولين!!
لله درك يا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فقد أوجدت نظريات إدارية حديثة وأسست لثقافة حديثة في مجال العمل الحكومي لم نألفها من قبل!!
باب المسؤول مخلوع!! هذه السياسة الإدارية الحديثة التي روج لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بعد زيارته الأخيرة لعدد من المؤسسات الحكومية والتي شاهد على إثرها عدداً من الممارسات الإدارية التي لم تسره.
فالمسؤول الإداري هو «الراعي» وشغله الشاغل هو أن يكون في خدمة المراجعين والموظفين. لا ننكر أبداً أن بعض المسؤولين بحاجة إلى رسم سياسات وهذا يتطلب وجود جو من الخصوصية والتركيز، إلا أن هذا لا يتنافى مطلقاً مع أن تكون مكاتب المسؤولين بدون أبواب. فهذه هي الخدمة العامة الحكومية، مرهقة وشاقة!! هي باختصار أن تصحو من النوم كل يوم وتهب للوصول إلى مكان عملك قبل أن يحضر المراجعين، وأن تؤدي المهام الوظيفية المناطة إليك على أكمل وجه، وأن تقدم الخدمة للمراجع وأنت مؤمن إيماناً راسخاً بأنك بعملك واجتهادك وإخلاصك هذا لا تقدم خدمة للمراجع أو العميل فقط بل أنك تقدم خدمة لوطنك الغالي. أبواب مخلوعة، والتزام وظيفي من قبل المسؤول الأكبر ليكون قدوة لباقي موظفيه، وتفانٍ وإخلاص في تقديم الخدمة هو كل ما حدده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد خلال زيارته «التفقدية» المفاجئة والتي أفرزت لنا منهجاً جديداً في الإدارة.