أفضل ما قامت به الدولة مؤخراً هو الكف عن انتظار اقتناع من لا يريد أن يقتنع بأن الدولة ماضية وفي مسيرتها سائرة.
أفضل ما قامت به أنها حركت القطار القانوني وسارت به ومضت قدماً، وعلى الذين يهددون بتعطيل مسيرتها أن يختاروا إما اللحاق بها وإما الاستمرار في عملية التحلطم «وحدهم».
هذا بالنسبة للدولة أما بالنسبة لشركاء «المتحلطمين» فلا شيء يفصل «المتحلطمين» عن شركائهم في الوطن وعن التمتع معهم بالوحدة الوطنية، وعن مشاركتهم بروح التسامح وعن استماعهم لخطاب المحبة والمودة من شركائهم سوى اقتناعهم «المتحلطمين» بألا أحد يستدعى للتحقيق ويقدم للمحاكمة منهم إلا من خالف القانون، هذا الاقتناع -إن حصل- فإنه سيغنيهم عن «التحلطم» هنا أو في الخارج، وسيلتقون مع الدولة ومع شركائهم في الوطن على الخير وعلى البناء وسيلتفتون للمستقبل.
استمرارهم في التعويل على أن «التحلطم» سيفيد ويأتي بنتيجة بني على ما كانت عليه سياسة الدولة القديمة، وهو تعويل خاطئ لا بد أن يتوقف، فقد انتفى وانتهى ذلك الزمن الذي كانت الدولة فيه تستجيب «لتحلطمهم» على حساب القانون، وتستجيب لتقارير المنظمات والدول الأجنبية التي تدعو دولتنا لاستثناءات فئات ووضعهم فوق القانون.
ألم يلاحظوا أن تلك سياسة انتهت وأصبحت في خبر كان؟ ألم يلاحظوا أن هناك تغيرات حدثت على الأرض، وأن الزمن الذي كانت الدولة تهرع فيه لاسترضائهم كلما رفعوا بكاءهم زمن ولى وانتهى؟ ألم ينتبهوا أن الدولة الآن واثقة من خطواتها وأنها أصبحت ذات سياسة ثابتة ومصرة على التمسك بها، وعلى «المتحلطم» أن يلجأ للقضاء أو يكف عن «تحلطمه».
لا فائدة من تسطير المقالات وتصدير البيانات التي تتحدث عن روح التسامح وعن الصفحات الجديدة وهي مبنية على مطالبة الدولة بالكف عن تطبيق القانون، والمبنية على مطالبة الدولة بإسكات الأصوات التي تدعو لتطبيق القانون، ومبنية على الاعتقاد أن من ينادي بتطبيق القانون هو صاحب خطاب كراهية وحقد وإلى آخر قائمة عقدة الاضطهاد، هذه نغمة أصبحت مكشوفة.
تلك البيانات وتلك المقالات مضيعة للوقت وإهدار لمستقبل المجموعة الصغيرة من «المتحلطمين» وهم يرون كل أهل البحرين قد ركبوا القطار ومضوا في طريقهم يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث على متن ذلك القطار وعلى خير ما يرام، سنة وشيعة ومسيحيين ويهوداً وأبيض وأسود ورجالاً ونساء ومن مدن ومن قرى البحرين، والحياة ماضية بهم والأسواق مفتوحة «ومالك محط ريل» فيها مع اقتراب العيد أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات، والأطفال إلى مدارسهم والمطار به مسافروه والجسر حركته لا تتوقف والمجمعات حافلة بالمتسوقين والشوارع مزدحمة.
المشكلة في من يرى البحرين محصورة في 3 كيلومترات مربعة، المشكلة في من يرى البحرين التي تزيد مساحتها عن 770 كيلومتراً مربعاً داخل الثلاثة كيلومترات المربعة لا العكس، المشكلة في من وضع العدسة المكبرة على 3 كيلومترات مربعة فرأى فيها 873 نشاطاً تجارياً و8 شوارع تجارية «معتمدة» على حد تعبيره، ومع شديد احترامي للمنطقة وساكنيها إلا أننا لو اعتمدنا زاوية الرؤية تلك لأصبحت «المحرق» منهاتن بذلك المقياس، التهويل والمبالغة في البكائيات ستصطدم عاجلاً أم آجلاً بالواقع «على الطاري طرا على بالي سؤال ليس له علاقة بالموضوع بشكل مباشر.. أين التخطيط؟ كيف يوجد 873 نشاطاً تجارياً في منطقة لا تزيد على 3 كيلومترات مربعة وبها 23 مدخلاً؟ مشاخل مو قرية؟»!!
لا أحد ضد المنطقة ولا أحد ضد سكانها ولا أحد ضد طائفة، ولا أحد ضد ممارسة التجارة أو ممارسة الحياة الطبيعية، كلنا إخوة في هذا الوطن، إنما بيننا وبين المتحلطمين «القانون» فقط، هم يريدون من الدولة أن تتجاوزه ونحن نريد من الدولة أن تتمسك به.