الكاميرات الذكية التقطت أكبر مشهد يحمل دلالات عديدة خلال قمة قادة الدول العشرين في مدينة «هانجو» الصينية.
الكاميرات لاحقت الرئيس الأمريكي باراك أوباما «المنتهي الصلاحية قريباً» وهو يجول في القاعة باحثاً عن شخص معين.
عملية البحث كانت واضحة، ورغم أن هناك أناساً وشخصيات تقاطع معهم أوباما خلال بحثه، لم يقف معهم لأكثر من ثوانٍ، ليواصل بحثه حتى وصل إلى الكرسي الذي جلس عليه الشخص الذي كان أوباما يقلب عينيه في القاعة بحثاً عنه.
الرئيس الأمريكي كان يبحث عن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وحين وجده ذهب إليه ليصافحه، فنهض الأمير محمد من كرسيه ليصافح أوباما، والأخير قام بمصافحة أعضاء الوفد السعودي فرداً فرداً.
السعوديون والعرب أطلقوا هاشتاق في التويتر تحت مسمى «هيبة محمد بن سلمان»، وكان لهم الحق في ذلك، فولي ولي العهد السعودي قدم نفسه بقوة في عالم السياسة كشخصية عربية قوية ذكرتنا بالشخصيات السعودية القوية التي لها امتدادها عبر تعاقب الأجيال وكانت سبباً في موقع المملكة كقوة عالمية مؤثرة، وكدولة يتحلق حولها العرب والمسلمون باعتبارها بعدهم الإقليمي والسياسي.
صورة الملك عبدالعزيز مؤسس الشقيقة السعودية لو قارنها بصورة الأمير محمد بن سلمان، وهو ما فعله كثير من الناس ونشروه في حساباتهم، تجد الشبه الكبير، ولو قارنت تصريحاته القوية وأفعاله لتذكرت العظيم الملك فيصل رحمه الله، ولو استمعت لسرعة بديهته وحضور ذهنه لتذكرت الأمير سعود الفيصل رحمه، وطبعاً في حزمه وقوته هو شبيه بالملك سلمان حفظه الله وحامل لمجد الملك عبدالله رحمه الله.
ليس أوباما وحده الذي بحث عن الأمير الشاب ليصافحه، بل حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والاهتمام الذي حظي به الوفد السعودي كان لوحده يقدم صورة واضحة للعالم مفادها بأن السعودية هي اللاعب العالمي القوي اليوم والذي تحسب له الولايات المتحدة وروسيا والصين ألف حساب.
لكن المشكلة هنا تكمن في الأمريكان بقيادة أوباما، فبعد محاولات مشينة للنيل من السعودية، تارة بالحديث عن القاعدة، وتارة أخرى بمحاولات ابتزاز رخيصة مثلما فعل الكونغرس الذي تعكز على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واضح أن أوباما بدأ يستوعب الدرس متأخراً، بدأ ينتبه إلى حقيقة أن اللعب مع السعودية سياسياً صعب جداً، ومحاولة التغرير بشقيقتنا الكبرى لها عواقب وخيمة.
الصين التي تطالب أمريكا آلاف الملايين منحتها الأولى للثانية على هيئة قروض مالية، الصين تضع السعودية في مرتبة متقدمة في قائمة حلفائها وكذلك تفعل روسيا، وللعلم فإن أكثر ما يقلق الأمريكان هو حينما يرون الروس والصينيين يتقاربون مع قوة أخرى.
وعلى خطى السعودية في ذكائها السياسي تسير مملكة البحرين، وبلادنا أصلاً في اتحاد أزلي له امتداده منذ عقود مع الشقيقة الغالية بلاد الحرمين الشريفين، بالتالي خطوات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله احترافية وذكية فيما يتعلق بتقوية العلاقات الدولية وكسب الحلفاء المهمين والاستراتيجيين.
طبعاً البحرين في اتحاد خليجي قوي مع أشقائها، في مقدمتهم السعودية والإمارات، واليوم رغم كون البحرين الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة خارج حلف «الناتو»، كما يدعي الأمريكان، إلا أن بلادنا لديها علاقات قوية تم بناؤها بذكاء مع اللاعبين الأقوياء على الساحة الدولية، فالصين داعمة للبحرين وحليفة لها، وكذلك تركيا القوة الناهضة القوية اقتصادياً، وأضف عليها روسيا التي يزورها جلالة الملك هذه الأيام بما يعزز العلاقات البحرينية الروسية وما يرتبط بها من اتفاقات تعاون على رأسها وأهمها الاتفاقات العسكرية، والأخيرة أثارت جنون الأمريكان وقلقهم مرات ومرات، ولا ننسى كذلك الهند واليابان وفرنسا وبريطانيا.
البحرين كدولة ذكية سياسياً بتحركاتها، والذكاء الأكبر حينما نتعامل سياسياً مع الشركاء من منطلق صدق وأمانة وثقة مفترضة، في رسالة واضحة لمن يفهمها بأن البحرين دولة تعاملك بالأسلوب المفترض أن تتعامل به معها، هي لن تكسر أية أعراف، ولا تقصر في أية أصول، ولن تسيء لك أو تتدخل في شؤونك، في المقابل عليك أن تحترم كل هذا في علاقتك معها، بلادنا وقيادتنا كرماء وذوو أخلاق رفيعة مع من يستحق ومن لا يستحق، عل الأخير يتعظ.
مشهد أوباما وهو يطارد الأمير السعودي الشاب ويبحث عنه فقط ليسلم عليه، مشهد يلخص لك الحال الأمريكي بشكل واضح، قوة تريد أن تهيمن على العالم، وتسعى لمحاربة الأقوياء بكل الوسائل، وحينما تفشل تريد أن «ترقع» ما فعلته وتصور نفسها على أنها صديقة وحليفة.
هيبة محمد بن سلمان وهيبة المملكة العربية السعودية بإذن الله ستظل حارقة لكل كاره وحاقد على العرب، وكل من يكيد المكائد لهم.
أجمل ما في المشهد أن أوباما عرف حجمه أمام عظمة السعودية وقادتها.