كثر الحديث في السنوات الماضية حول أهمية إعادة هندسة العمليات الإدارية في الوزارات والمؤسسات الحكومية وفقاً لمناهج إدارية حديثة. وقد بذلت الدولة خلال الأعوام الماضية جهوداً تشكر عليها في إحداث نقلة نوعية في التنظيم الإداري لكل وزارةٍ وجهازٍ حكومي من خلال عدة طرق، كصدور تعليمات الخدمة المدنية، وتوفير الخدمات الإلكترونية وإقامة الدورات من خلال معهد الإدارة العامة وتثقيف الجمهور. إلا أن السياسات والخطط -مهما كانت طبيعتها- غالباً ما تعتريها إشكالات عند تنفيذها.
فمن المهم أن يحافظ الهيكل الوظيفي للوزارة أو المؤسسة على شكله الهرمي. وفي حالة عدم مراعاة الخطوات المناسبة لإعادة هيكلة العمليات الإدارية وإعادة تصنيف الوظائف، فإن الهيكل يصبح غير مجدٍ. وقد جرت العادة أن تكون معظم الهياكل التنظيمية للقطاعات أو الوكالات التابعة للوزارات أو المؤسسات الحكومية على النحو التالي: الوكيل ويتبعه وكيلان مساعدان على الأقل، وكل وكيل مساعد يتبعه مديران على الأقل. أما المديرون فيتبعهم رؤساء الأقسام أو الوحدات الإدارية. ولا أرى ضيراً في الاستعانة بخبراء التخطيط الاستراتيجي البحرينيين في إعداد الدراسات اللازمة.
ومن المهم أيضاً أن تضم الإدارة العليا في كل وزارة أو مؤسسة عنصرين قياديين أساسيين: رجل الإدارة والرجل المساند. ويجب أن تضم قيادات الوزارة أو المؤسسة مزيجاً من أصحاب الخبرة الطويلة والقيادات الحديثة لضمان سلاسة انتقال الإدارات إلى الصف الثاني من القيادات ومنع حدوث أي فراغٍ في الإدارة العليا للوزارة أو المؤسسة.
وعلى المسؤول المعين حديثاً أن يقوم أولاً بالاطلاع على وضع الجهاز الذي يشرف عليه والاستماع إلى الموظفين، ومن ثم يرسم سياسته حسب ما تقتضيه مصلحة العمل. فإذا كان سلفه قد وفق في انتهاج سياسة معينة، فإنه من الأحرى أن يتم الإبقاء عليها والعمل على تطويرها. أما إذا لم يوفق سلفه في انتهاج سياسةٍ ما، فإنه يتم استبدالها بسياسةٍ أخرى أو تلغى تماماً.
ولا بد من وجود حلقة وصلٍ بين الإدارة العليا للوزارة أو المؤسسة والموظفين، وذلك من خلال ضمهم للجان الداخلية والخارجية ولقائهم في المناسبات والأنشطة الاجتماعية، حيث إن هذه الممارسات من شأنها إتاحة الفرصة للتعرف أكثر على الموظف ومهاراته وجدارته في القيام بمهامٍ أكبر في مراحل لاحقة. وقد سلكت بعض الوزارات والمؤسسات مسلكاً حميداً بتشكيل اللجان الاجتماعية.
وأود أن أختم مقالي بالحديث عن نموذجٍ قيادي أعتز به، إنه معالي الشيخ محمد بن عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للصحة الذي يعد مثالاً للتواضع والمروءة. فهو أول وزيرٍ أعمل معه بصفةٍ مباشرة، وذلك خلال عملي باحثاً قانونياً بقوة دفاع البحرين. وقد شكلت تجربة العمل معه نقطة تحولٍ في مسيرتي المهنية والفكرية. وبالرغم من مشاغله الكثيرة، إلا أنه لايزال يتابع أخباري وسيظل دوماً عامل دعمٍ وسندٍ لي. لذا أردت أن أخصص هذه المساحة تقديراً وعرفاناً لهذا الرجل الكريم.