البحث في زيادة إيرادات الدولة كان محور الاجتماع الذي دار بين سمو ولي العهد النائب الأول لسمو رئيس الوزراء ورئيس الوزراء أمس، وقد يكون ذلك الاجتماع المبارك مدخلاً مناسباً ننطلق منه إلى الحديث عن تبعات وآثار غياب وزارة ضمن الجهاز التنفيذي منوطاً بها تنفيذ السياسة الاقتصادية للدولة للسنوات الخمس القادمة.
نحن أمام مجلس للتنمية الاقتصادية خارج الجهاز التنفيذي، مجلس وضع رؤية اقتصادية 2030 التي لأسباب خارجة عن نطاق مقالنا لم تعد هي المنارة الوحيدة التي تسير لها الدولة لتحقيق أهداف محددة، لكنها شئنا أم أبينا، حبلنا الوحيد الباقي في وجود مسار معين، وسواء كانت هي 2030 إنما بعد التعديل وفق المستجدات التي سنعتمدها، أو كانت رؤية وتصوراً جديداً، إلا أننا بحاجة أن نحدد اتجاهنا للخمسية القادمة في إطار أشمل من البحث في زيادة الإيرادات، وذلك للمصلحة العامة.
وأياً كانت الجهة المناط بها وضع هذه الرؤية وهذا التصور إلا أننا بحاجة لجهة تنفيذية محددة يناط بها تنفيذ هذه الخطة الخمسية، حتى نعرف كيف وإلى أين نسير؟ وحتى نحدد من أين وكيف سنزيد إيراداتنا؟ ونحدد أسئلة أخرى أكثر شمولية تضع المظلة التي يندرج تحتها مسارنا الاقتصادي ويندرج تحتها مسارنا المالي.
مجلس التنمية الاقتصادية يضع الآن مشكوراً جهداً يبذل بالفعل ويتحرك بكامل طاقته، إنما جهوده متناثرة إن لم يكن بينها رابط مع الجهاز التنفيذي، بل إن بعضها يتضاد أحياناً مع برامج ومخطط الوزارات، فتجد برنامجاً للوزارة «الفلانية» يتعارض مع مشروع يتحرك عليه مجلس التنمية الاقتصادية الذي تحول إلى جهة تنفيذية أحياناً فضاعت هويته، والعكس قد تجد تصوراً وبرنامجاً وخططاً ومشروعاً لمجلس التنمية يتعارض مع برنامج لوزارة «فلانية» أخرى!!
وقد ينفذ مجلس التنمية مشروعاً هذه السنة ويضعه في الاعتبار موضع التنفيذ فيكتشف عدم وجود ميزانية، ويجري البحث عن مخارج تكون أحياناً على حساب مشاريع أُقرت!
ذلك موضوع يعد من أهم ما يجب أن نركز عليه الضوء إعلامياً في المرحلة القادمة، للنظر في وضعنا الاقتصادي بشكل عام، ومنها ننطلق في البحث إلى ما وصلنا إليه خلال السنتين الماضيتين وهل نحن نسير وفق رؤية وتصور واضح للجميع أم لا؟ بالإضافة إلى الوضوح فيما يتعلق بالسؤال إن استطاعت الدولة أن تقلص العجز؟ وهل استطاعت أن تسدد مستحقات الدين العام؟ إنما السؤال وقد بقي شهر من الآن على قرب افتتاح دور الانعقاد الثالث لهذا الفصل التشريعي وعلى رأس جدول أعماله سيكون مشروع الميزانية العامة، السؤال هو من هي المؤسسة التي سيكون «مرد الرأس» لها فيما يتعلق بسياسة الدولة الاقتصادية؟
البوصلة التي ضاعت في دورانها عن سياستنا الاقتصادية ليست بوصلة السلطة التشريعية فحسب حين مناقشة ميزانية الدولة، بل ضاعت عند القطاع المالي وعند القطاع التجاري وعند الإعلام وعند المستثمر الأجنبي، جميع هذه الأطراف شركاء لأي سياسة اقتصادية إضافة إلى أنهم شركاء في أي توجه لزيادة الإيرادات، هؤلاء هم الأدوات التي ستعتمد عليها الدولة في تلك الزيادة، وما لم تكن هناك جهة محددة «ينرد الرأس» لها في الرؤية المتكاملة للاستفسار والتواصل لدى هذه الأطراف في من وكيف ستزيد تلك الإيرادات إذاً، فإن مناقشة الميزانية تأتي في عدم وجود إطار جامع لها، بل مناقشة عشوائية مبنية على ضرب في الهواء.
إننا بحاجة لأن تتحدد الدولة الجهة المسؤولة أولاً، تكون رافداً ومساعداً ورافعة لمجلس التنمية الاقتصادية وتلزمها بوضع السياسة العامة موضع التنفيذ وعلى ضوئها تضع الدولة تصورها لزيادة الإيرادات، وعلى تلك الجهة أن تضع تصورها لا للسنتين القادمتين بل للسنوات الخمس القادمة أي «خطة خمسية» وتعرض ما حققته السياسة الاقتصادية والمالية في السنتين الماضيتين مع الأسئلة السابقة المتعلقة بتوجه الدولة لزيادة الإيرادات وبالسياسة المالية ودورها في خفض العجز وما أنجزته بالنسبة للدين العام و و و و...، ومن ثم تبدأ هذه الجهة بتشكيل فرق عملها وتحديد مواعيد الاجتماع لشرح ونشر هذه الخطة مع جميع الأطراف المعنية داخل وخارج البحرين وفي المملكة العربية السعودية خصوصاً، هذه الجهود هي أقل ما يمكن أن تقوم به الجهة التي سيناط بها عرض الخطة الاقتصادية للدولة، قبل أن تقدم الحكومة الميزانية للسلطة التشريعية، لأنها ستكون جهة تملك جهازاً تنفيذياً له مقعد في مجلس الوزراء والسياسة المالية ومن ضمنها مشروع الميزانية تعتمد عليها اعتماداً كلياً.