نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن الحق في الخصوصية. على الصعيد الدولي، فإن أي تعرض للحق في الخصوصية يجعل الدولة منتهكة للمادة «12» من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن: «لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات». كما يشكل التعرض للحق انتهاكاً صريخاً للمادة «17» من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية التي تنص على: «1-كذلك لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. 2-من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس». إلى جانب أنه يشكل انتهاكاً لنص المادة «16» من اتفاقية حقوق الطفل 1980 التي تنص على أن: «1- لايجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته. 2- للطفل حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس». بالإضافة إلى نص المادة «14» من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين 1990 التي نصت على أنه: «لا يعرض العامل المهاجر أو أي فرد من أسرته للتدخل التعسفي أو غير المشروع في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته أو اتصالاته الأخرى أو للاعتداءات غيرالقانونية على شرفه وسمعته. ويحق لكل عامل مهاجر ولكل فرد من أسرته التمتع بحمايةالقانون ضد هذا التدخل أو هذه الاعتداءات».
أما على الصعيد الوطني، فإن أي تدخل سافر في الحق في الخصوصية قد يشكل انتهاكاً لنص دستور مملكة البحرين في مادته «26» التي تشير إلى أن: «حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية مصونة، وسريتها مكفولة، فلا يجوز مراقبة المراسلات أو إفشاء سريتها إلا في الضرورات التي يبينها القانون، ووفقا للإجراءات والضمانات المنصوص عليها فيه». إلى جانب تعارض التداخل مع مقتضيات المواد من «93 – 95» من قانون الإجراءات الجنائية البحريني. ونشير إلى أن سبل الانتصاف الفعالة تقتضي إلغاء الإجراء المتخذ المتعارض مع أحكام القانون، وذلك استناداً إلى القاعدة المأثورة «ما بني على باطل فهو باطل». ولعلنا نشير في هذا المطرح إلى حكم المحكمة الكبرى الجنائي الثالثة التي قامت بإلغاء حكمها الصادر بحبس آسيوي 5 سنوات مع الإبعاد بتهمة طلب الرشوة، والقضاء ببراءته من التهمة المسندة إليه لبطلان دليل الاتهام، وهو التسجيل الذي جرى للمتهم دون اتخاذ الإجراءات القانونية التي تقتضي الحصول على إذن قضائي بالمخالفة لنص المادة 93 من قانون الإجراءات الجنائية.
ومن ناحية أخرى، قد تكون مراقبة بيانات الاتصالات الإلكترونية تدبيراً ضرورياً وفعالاً لإنفاذ القانون بصورة مشروعة أو لأغراض الاستخبارات عندما تُجرى بطريقة تمتثل للقانون، ولذلك يشترط ألا تتدخل تدابير المراقبة بطريقة تعسفية أو غير قانونية في خصوصية الفرد أو عائلته أو سكنه أو مراسلاته. وبعبارة أخرى، فإن التدخل المشروع هو الذي ينص عليه القانون الوطني بما يتوافق مع أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومراميه وأهدافه، بأن يكون متناسباً مع الغرض المنشود وأن يكون ضرورياً في ظروف أي قضية معينة بصرف النظر عن جنسية أو موقع الأفراد الذين تخضع اتصالاتهم لمراقبة مباشرة.
ونحن نثمن ما تقوم به وزارة الداخلية من جهود جبارة ومثمرة في الارتقاء بحقوق الإنسان، فكثيراً ما نرى مشاركة بواسلها في الدورات التخصصية لحقوق الإنسان، الأمر الذي يقر أن الإيمان بمسألة حقوق الإنسان هي أصلا من الثوابت الوطنية، وأن الإقرار بالحقوق والحريات العامة هي أيضاً التزام بقيم العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، وإننا نرى تقدم وزارة الداخلية بمسألة التدريب في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان على جميع وزارات الداخلية في جميع دول العالم. فهي تضع نصب عينيها القانون بخلاف تلك الدول الغربية التي تنادي بحقوق الإنسان شكلاً، وتطبق «بطيخ» حقوق الإنسان موضوعاً! - في مشاهد دامية.. يقشعر لها البدن - وبخلاف أيضاً أولئك الأشخاص الذين يقرأون ويركزون على البند الذي يخص الحق في الخصوصية أو غيره بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والذي ينص ابتداءً على أنه .. «لايجوز للدولة أن ...». ويضعون نقطة بعد ذلك مباشرةً بدون تكملة النص وقراءة القيود الواقعة عليه، وحدوده، وأسسه، لينادوا بعدها بانتهاك الدولة لحقوقهم!
ونختم، أن انتهاك الخصوصية قد لا يكون بموجب الدولة فقط، فقد يكونوا أصدقاء مقنعين، يتفننون بإسقاطنا بعد حينٍ بسبب شفافيتنا البريئة والمفرطة، وذلك من خلال استخدام مخاوفنا وعيوبنا وآلامنا التي نقلناها لهم بحثاً عن الدفء كسلاح ضدنا. وأذكر في هذا المحفل، قريبي.. من لحمي ودمي.. ذلك الشخص الذي كنت أئتمنه على كافة أسراري وألجأ إليه عند أتفه مخاوفي.. لا أنكر أنه كان عضيدي للتحسن بعد حادث سير شبه مميت تعرضت له قبل 8 سنوات.. إلا أنه وبسبب خلاف غبي، حاول قتلي دهساً ليُعيد لي أتعس ذكرياتي في ذلك الحادث الأليم عمداً. ولا نقف عند تلك النقطة فقط، بل قد يكون انتهاك الخصوصية أيضاً من قبل أشخاص مرضى عقلياً وقلبياً، لم يستثمروا طاقاتهم الفنية في كيفية الإبداع في العمل - والذي من الأولوية الارتقاء به لنحترم وجودنا الإنساني في المجتمع - بل تركوها جانباً ليجعلوا مصالح البشر على الهامش عمداً، واستثمروا طاقاتهم في إدارة التفنن في رقابة أحوال الناس والترصد لهم والتجسس عليهم للتوصل إلى كيفية التنكيد عليهم بمعيشتهم ومن ثم التشهير بها. لذلك أنه من الرقيّ أن تتجمل بالغموض، وأن تكون غامضاً.. عن أقربائك.. وعن أصدقائك.. وحتى عن نفسك أحيانا.. فالعلاقات لم تصبح مصدراً للأمان كما كانت بالسابق، بل إن رحمة الله ثم الوطن والوالدين هما حضن الأمن والأمان الذي نلجأ له في الشدة والرخاء.