«هذا الوضع جاء بعد الإعلان المفاجئ الذي نشرته وزارة الداخلية وأعلنت من خلاله إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم الذي يقطن في مسقط رأسه الدراز.. وتلا ذلك إجراءات عديدة، كما سيقت الاتهامات ونشرت الادعاءات في اتجاه واحد وبصورة مخالفة لمتطلبات العدالة وأساسيات حفظ الكرامة الإنسانية».
تلك عبارة وردت ضمن مقال لرئيس تحرير نشر يوم السبت والعبارة تطرح سؤالاً مشروعاً وهو ألا تتضمن تلك العبارة تجريحاً وقدحاً في سلطة محددة هي «النيابة العامة» التي هي جزء أصيل من السلطة القضائية؟
فللنيابة العامة وحدها أن تضع لائحة «الاتهامات» التي وصفها الكاتب بأنها «مخالفة لمتطلبات العدالة وأساسيات حفظ الكرامة الإنسانية» ولا يمكن أن يستدل من صيغة المجهول «سيقت» على أنها منسوبة لجهة مجهولة، وإلا ستكون تلك محاولة للتذاكي والتحاذق على القانون في غير موقعها، وستكون محاولة فاشلة للتهرب من المسؤولية القانونية، فالكل يعلم أنه ليس سوى «النيابة العامة» من يملك سلطة سوق الاتهامات، خاصة وقد جاءت العبارة التجريحية لاحقة لعبارة سبقتها «وتلا ذلك إجراءات عديدة» والمقصود كما هو مبين في المقال تلك التي تمت في حق المدعو عيسى قاسم بإسقاط الجنسية عنه، أي أن الكاتب يتحدث منذ بداية المقال عن «إجراءات» خاصة بإسقاط الجنسية، ويتحدث عن رفع دعوى تتضمن لائحة اتهامات ولا غير النيابة العامة من ساق اتهامات جاء من ضمنها جمع أموال بدون ترخيص وإخفاء مصادرها مما يعد من جرائم غسل الأموال، والسؤال أليس ذلك تجريحاً وطعناً في نزاهة القضاء؟
وهكذا ستستمر وستظل مشكلتنا مع هذه الصحيفة ليس لاختلافها عنا، فمرحباً بالاختلاف إثراء للحقيقة، وليس لما تروج له الصحيفة لأنها تصنف نفسها «معارضة» فللمعارضة الوطنية قواسم مشتركة تشكل أرضية وطنية تقف عليها مع مخالفيها، وليس موقع الخلاف بأن الصحيفة موقفها ملائكي وموقف من يختلف معها «شتام سباب» كما تنوح دوماً، اختلافنا معها كان وسيظل جوهرياً حول المبدأ، لا حول الأشخاص، حول السياسة لا حول الأقوال، نختلف معها بأن نكون دولة قانون ومؤسسات أو دولة جماعات؟! ونحض الدولة أن تلزم هذه الصحيفة أو غيرها باحترام القانون. نحن نصر ونتمسك أن يكون القانون والقانون وحده ملاذنا والقضاء حكماً بيننا، ونصر على أن نتمسك بدستور هو عقد لإدارة الاختلافات والخلافات بين المواطنين والمقيمين حتى لا تتحول اختلافاتنا إلى خلافات ويلجأ أي طرف منا لغير القانون سنداً.
اختلافنا مبني أنه ليس لأحد منا أن يكون فوق القانون لأنه شيخ من الأسرة الحاكمة أو لأنه شيخ من أسرة فقهية، لأنه يلبس عقال الشطفة أو لأنه يلبس عمامة الفقيه.
اختلافنا ليس شخصياً، بل اختلافنا جوهري، بأنه ليس لأحد حتى لو صنف نفسه ناشطاً أو معارضاً سياسياً أو قانونياً، أن يحرض على التحايل أو يحرض على القفز على القانون لأنه هذا القانون «ليس على مزاجه» وخلافنا مع الصحيفة الناطقة باسم مجموعة الولي الفقيه أننا نحث الدولة على التمسك بالقانون وتطبيقه وإجراءاته وهذه المجموعة مع صحيفتهم تتعرض لتلك القوانين تارة بالتجريح فيها علناً، وتارة باللمز والغمز بأنها مخالفة للعهود الدولية وقوانين سلبت «جوهر الحق وروحه» أي أنها قوانين مطعون في دستوريتها.
ورغم أن للاعتراض على أي قانون سبيله أيضاً فالقوانين ليست وحياً إلهياً، إنما حتى للاعتراض على القانون طريقه القانوني هو الآخر، ومؤطر دستورياً أمام سلطاتنا القضائية من خلال صرح نعتز به ألا وهو المحكمة الدستورية، خاصة إذا كانت جهة الطعن متضررة ذاتياً من تلك القوانين، إلا أن تلك السبل المشروعة وتلك الطرق السلمية لا يستعان بها من قبل تلك المجموعة، ولا تحث عليها ولا على التمسك بها حلاً، بل يسهل عليها الطعن في القوانين «إعلامياً» أو تقديم شكوى عليها في المحافل الدولية، مما يبني الجدار وراء الجدار بين هذه المجموعة وبين شركائها في الوطن وبينها وبين النظام الدستوري ومؤسساته والقائمين عليه، وسيظل الخلاف على هذا الجوهر لا على أشخاص ولا على طوائف كما تحاول هذه المجموعة أن تحور جوهر الخلاف قصراً.
ختاماً، ليس لأحد منا كائناً من كان أن يضع نفسه فوق هذا القانون لأنه يسمي نفسه «معارضاً خليجياً» أو لأن السفارة الأمريكية أو البريطانية تحميه، أو لأنه يحمل جنسية مزدوجة، فمن يعطيه تلك الحصانة ليست تلك الجهات الأجنبية، بل تعطيها إياه دولة تحسب حساباً لتلك «الجهات».
وأخيراً؛
ليس من الشجاعة أو الرجولة الحوم حول الشبهات والتذاكي بالادعاء بأن القصد الجنائي لم يكن موجوداً، فإما الشجاعة التي تقتضي المواجهة العلنية والدفاع عن وجهة النظر بأن الاتهامات والادعاءات التي ساقتها النيابة فعلاً «مخالفة لمتطلبات العدالة وأساسيات حفظ الكرامة الإنسانية»، أو السكوت بعدها مطلقاً.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}