كما دائماً نردد ونقول ونرفع صوتنا وننادي، «إنه ليس من إنسان معاق ولكن يوجد بيئة معيقة، بيئة تجعل قواك مبعثرة، أحلامك متناثرة، طاقاتك مهدرة وطموحاتك مهزومة»، وتجد نفسك أمام مجموعة من الهموم المتراكمة التي لا تعد ولا تحصى.
فالسيدة التي تم ذكر قصتها في المقال الماضي عن معاناتها مع ولدها المصاب بالشلل الدماغي تكمل جزءاً من قصتها بعد أن سألتني سؤالاً عجزت عن الإجابة عنه، وهو كيف يمكن لها أن تحل معضلة صعود ونزول الدرج ثلاث طوابق بولدها المقعد على كرسي متحرك، وهو بعمر 17 سنة، ويتمتع ببنية جسم كبيرة، وهي في الوقت نفسه تعاني من آلام شديدة في ظهرها تكاد تشل قواها وتعسر حركتها!!
والآن يأتي السؤال الثاني والذي عجزت حقيقة عن إيجاد إجابة عليه، بكل أسف أقولها...
تخبرني والدمعة تحرق عينيها: أحياناً كثيرة أذهب بولدي إلى أحد المجمعات التجارية وذلك كي أكسر له الأجواء الروتينية في المنزل. ولكن ماذا عساي أن أفعل يا عزيزتي عندما أشعر بأن ولدي لابد أن يدخل الحمام لقضاء حاجته! فإذا دخلت حمام السيدات لسبب هام جداً، وهو أنني أنا من يجب أن أساعد ولدي بكل أموره الخاصة بمثل هكذا موقف. فعلى الفور ينطلق جرس الإنذار من الحريم أنفسهم، وقبل أن ينظروا إليه، فينادون بأعلى أصواتهم ونبرة تعجب وتهجم «رجال.. رجال اخرجيه من هنا!! إش فيك شو ما تدرين أنه حمام للسيدات!! شو ما تشوفين؟! وعلى الجانب الآخر فإنني كسيدة لا يمكنني أن أدخل حمام الرجال!! إنني وولدي محرومان من أبسط مباهج الحياة ولربما أزهدها وهو تجولنا في الأماكن العامة، خاصة في المجمعات التجارية في أيام الحر الشديد.. فماذا عساي أن أفعل في مثل هكذا وضع؟! هل يمكن أن تفيديني بحل يا عزيزتي؟
بالطبع أن هذين الموقفين بالرغم من بساطتهما عند سماعك لهما للوهلة الأولى، إلا أنهما يوضحان لنا كم هي شدة المعاناة التي تمر بها خاصة الأم لابن أو بنت من ذوي الإعاقة، وما هي الصعوبات التي تسيطر على حياتها وحياة أبنائها.
وفي عز المواقف القاسية التي تواجهها فإنه أيضاً ترفض وبشدة نظرة الشفقة التي تلمسها بعيون البعض وتتحسسها بنبرة حناجرهم.. فالأمر ليس بحاجة لتعاطف بقدر ما هو بحاجة لتكاتف، ولوضع خطط تحمي كرامة المعاق وأهله من أية إهانة سواء مقصودة أو غير متعمدة، فإن كان أبناؤنا مختلفين لكن يجب ألا يجدوا أنفسهم منبوذين.
فمن هذا المنطلق، لابد على وزارة الأشغال وشؤون البلديات ووزارة الصناعة والتجارة، خلال إعطاء التصاريح للبناء، وخلال التصميم الهندسي، خاصة أثناء التنفيذ، أن يتم مراعاة حالات الأشخاص ذوي الإعاقة المتعددة التي يمكن أن تقصد المكان، على سبيل المثال، الحمامات والمسارات في المجمع، وأيضاً أماكن تبديل الملابس. لذا فكلي أملٌ في صدور قانون في حال إن لم يكن موجوداً يختص بتسيير وتسهيل حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وأهاليهم في الأماكن العامة، ووضع ضوابط وقوانين من شأنها أن ترفع الحرج عن هؤلاء الأبناء الذين هم جزء لا يمكن فصله عن المجتمع.