بات من العرف الاجتماعي المتفق عليه اليوم ولمن أراد أن يحافظ على أبنائه من الانحراف الأخلاقي والفكري أن يعزلهم عن المجتمع وعن رفقاء السوء، فما عساه أن يفعل؟ يقوم بسجنهم داخل أسوار المنزل في غرف مغلقة مخافة أن يختلط الأبناء بالناس الذين لم يعد الإنسان يأمن إليهم كما يعتقد هذا الأب أو تلك الأم. لهذا فإن المربي الأسري يستعيض ويستعين بالأجهزة الذكية والألواح الرقمية لتحل محل الصديق الذي ربما يكون من أصحاب السوء.
من المفارقات العجيبة في هذا الموضوع، أن الأسرة المحلية تمنع طفلها من الاختلاط بأطفال الحارة الحقيقيين، في الوقت الذي تدفعه عبر تلكم الأجهزة للاختلاط بملايين الأشخاص الوهميين الذين يعيشون معه في غرفة نومه وهو لا يعرفهم ولا يمكن للأسرة أن تعرفهم كذلك!
من أغرب القصص التي بحثت عنها حول انضمام الكثير من الشباب العربي والأجنبي - الذين عرف عنهم اتزانهم في الأسرة والمجتمع - إلى صفوف تنظيم الدولة «داعش»، هو أنهم تعرفوا على هذا الفكر الإرهابي المنحرف واقتنعوا بقيمه من خلال مواقع إلكترونية ومن خلال أشخاص غير حقيقيين، فتم - عبر شبكات التواصل الاجتماعي - غسل أدمغتهم على مراحل زمنية متقاربة حتى تمكن أولئك من تجنيد الكثير من صغارنا لصفوف «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية الشرسة في غفلة من أمرنا.
بعض أولياء الأمور الذين كانوا يعتقدون بأنهم يحافظون على أطفالهم من الانجرار والانجراف خلف صغار الحارة ينصعقون بعد برهة من الزمان بانضمام أولئك الأطفال لـ «داعش»، ويقسمون قسماً غليظاً أنهم كانوا يحافظون على صغارهم وشبابهم من الاختلاط بكل فئات المجتمع، فكيف انضموا إلى «داعش»؟ ومن الذي جنَّدهم في صفوفه؟ ومتى حدث ذلك أصلاً؟ فيظل هذا الأمر لغزاً في أذهان المربين، بينما الإجابة سهلة للغاية، وهو أن تلكم الأسر النائمة «في العسل» لا تعلم حجم وخطورة أن تغلق الباب على صغارها فتحجرهم في غرف مغلقة فتعطيهم أخطر الأجهزة التي توصلهم بالعالم الخارجي دون حسيب عليهم أو رقيب.
حين يعجز المربي «الكسول» من الجلوس مع صغاره لأجل تهذيبهم وتربيتهم وتعليمهم بسبب انشغاله بأمور الحياة وغيرها من الأمور الأخرى الخاصة، يقوم بإعطائه جهازاً ذكياً في حجره يدخل من خلاله ذلك الصغير حيثما يشاء من المواقع والأشخاص والجماعات الخطرة دون متابعة من الأب أو الأم، والنتيجة هو أن هذا الطفل الذي عرف بسكونه واتزانه وانعزاله عن الناس ينضم إلى «داعش»!
نصيحة لأولياء الأمور في البحرين وخارجها أن ينتبهوا للمواد المتاحة لصغارهم في أجهزتهم الذكية التي لا يجوز تسليمها في أياديهم في سن مبكرة، فهذه الأجهزة أخطر من كل الأسلحة الفتَّاكة، وأن يخصص أولياء الأمور الكثير من الوقت للجلوس مع صغارهم وتنمية مهاراتهم الحياتية واختيار أصدقاء لهم كحاجة ماسة وملحة، وأن يتفرغوا لمصاحبتهم حتى يكبروا، هكذا هي التربية الفعلية والحقيقية التي تنتج مجتمعاً صالحاً واعياً وسليماً، أما سجن الصغار في غرف نومهم وإعطائهم أجهزة ذكية للغاية تحت مسميات رقيقة وناعمة رغبة منا في الهروب من مسؤولياتنا التربوية، فإن من المحتمل أن تنتج هفواتنا القاتلة جيلاً داعشياً أو طفلاً مشوهاً نفسياً ولكم الخيار أيها المربون الكسالى.