منذ أيام والفضائيات الإيرانية «السوسة» لم تتوقف عن مهاجمة السعودية وشحن العالم ضدها، كما لم تترك أحداً يمكن أن يصرح بما تريد في أي بقعة من العالم الإسلامي على وجه الخصوص إلا وأفردت له مساحة في نشراتها الإخبارية واعتبرت قوله نبراساً. أكثر أولئك غير معروفين ولم يسمع بهم أحد من قبل. كلهم قالوا ما تريد إيران منهم قوله عن حادثة منى في موسم الحج العام الماضي وعن «ضرورة» إبعاد السعودية عن تنظيم الحج وتسليم هذه المهمة لهيئة تتكون من علماء ينتمون إلى مختلف الدول الإسلامية «وعلى رأسها إيران طبعاً». أما الشتائم التي وجهها المرشد الإيراني لحكام السعودية فاعتبرتها تلك الفضائيات وكل مهووس بالتجربة الإيرانية الفاشلة ضوءاً أخضر لمهاجمة السعودية ومن دون تحفظ. وبما أن العراق محتل من قبل إيران – وهذه للأسف حقيقة لم يعد بالإمكان إنكارها – لذا عجت شوارع بغداد «بلوحات تعزف على نفس الوتر الخبيث» حسب تعبير الدكتورة ابتسام الكتبي التي نشرت ذلك في تغريدة على حسابها في «تويتر» وأرفقت بها مجموعة من الصور للافتات كبيرة كتب عليها بخط كبير ما نعت به خامنئي حكام السعودية، وعلقت بقولها «ومازال هناك من يجادل بأنه لا يوجد احتلال إيراني للعراق»، متبعة ذلك بعدد من علامات الاستفهام والتعجب.
لكن علامات الاستفهام والتعجب لا تتبع تلك العبارة فقط وإنما تتبع كل قول وفعل يصدر عن المسؤولين الإيرانيين هذه الأيام، ذلك أن كثيراً مما يقولونه ويفعلونه يدخل في باب التجاوز والابتعاد عن اللياقة خصوصاً إن كان القائل والفاعل مسؤول بحجم المرشد أو الرئيس، ما يستدعي التساؤل عن أسباب ذلك والتعجب منه. ولأن هذه الحملة ستستمر حتى نهاية موسم الحج على الأقل لذا فإن المتوقع هو أن يقع المسؤولون الإيرانيون في كمية من الأخطاء التي ستسيء إليهم وتضعف موقف إيران، ذلك أن موضوعات كهذه لا يمكن أن تعالج بهكذا تصريحات وهكذا أفعال لأن ناتجها هو سد كل الأبواب التي يمكن الدخول منها إلى حيث يمكن التفاهم والحوار وحل المشكلات العالقة.
ليست السعودية التي عقدت الموضوع حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه من خلافات اتسعت، وإنما إيران بعنادها وإصرارها على فرض شروطها وملء إراداتها على السعودية المعنية بتنظيم الحج هي التي تسببت في كل هذا الذي تشهده العلاقة بين البلدين. نظرة التعالي التي هي من عيوب إيران وحكومة الملالي هي التي منعتها وتمنعها من تقبل كل ما يأتي من السعودية مهما كان منطقياً ومقنعاً، فإيران تعتقد أنها الفاهم الوحيد في العالم وأن العالم كله يجب أن يتبعها ويأتمر بأمرها.
لن تجني إيران من كل هذا الذي فعلته وتفعله أي مكسب، فالسعودية دولة مستقلة وقوية ولا يمكن أن تخضع لإملاءات إيران ولا تنطلي عليها حيلها ولا يؤثر فيها كل ما يقوله أولئك الذين تم ويتم التنسيق معهم ليقولوا ما تريده منهم أن يقولوه، وأيا كانت قوة إعلامها فلن يؤثر لأن العالم صار يعرف إيران جيدا ويعرف ألاعيبها وحيلها، بل يعرف نواياها.
عناد المسؤولين الإيرانيين ومحاولتهم فرض رأيهم وتوجهاتهم هو الذي تسبب في عدم تمكن الحجاج الإيرانيين من التوجه إلى مكة لأداء فريضة الحج، وإلا فإنه كان في الوقت متسع يعين على حل كل المشكلات بين البلدين وإزالة كل العقبات وتوفير المخارج المناسبة التي من شأنها أن تفتح ممرا للحجاج الإيرانيين كي يؤدوا المناسك كما يؤديها غيرهم من المسلمين ممن أنعم الله عليهم بنعمة الحج.
المؤسف أن حكومة الملالي ستواصل حملتها ضد السعودية وستستغل وجودها في بعض البلدان العربية للعزف على الوتر الخبيث.