كثرت الأسهم والنبال التي تجمعت من كل حدب وصوب لتمزيق جسد الأمة الإسلامية وما يزيد في النفس حسرة ولوعة أن بعضاً من تلك السهام تنطلق من يد غادرة تنتمي للإسلام زوراً..لقد أدركت القوى العالمية أن الإسلام بعالميته يشكل مصدر قلق لها ولوجودها. فهي منذ أمد بعيد كانت ومع كل اختلال في موازين القوى فإن أول ما تفكر فيه هو دفع الجيوش لتسكين انتشاره، فتعمد لافتعال الأزمات لتبرير غزو دار الخلافة وبلاد المسلمين، واستمرت الحروب الصليبية عقوداً لكنها كانت لهم مركز الخلافة والجيوش الإسلامية بالمرصاد، إلا أن أدركوا وبعد تمكنهم من إنهاء الخلافة العثمانية بعد ضعف خلفائها المتأخرين واختراقهم قبل ذلك، ومثل ما يحدث اليوم بالضبط من قبل الحركة الصوفية المشوهة، والتي للأسف لا تمت للصوفية المعتدلة المتمثلة بالنقاء والزهد في شيء.إلى أن ابتعدوا بالكلية عن الدين وانغمسوا بالخرافات وبعض منهم بملذاته وانشغلوا عن أمر المسلمين، وتبعها بعد الانهيار تقسيم إرث الخلافة بين الدول فرأوا أن السبيل الوحيد لقطع الطريق في المستقبل المنظور والبعيد عن تجمع واستعادة هذه الأمة لعافيتها هو التجزئة الجغرافية واصطناع الحدود وإقامة دول وتنصيب حكام متناغمين مع مشروعهم، ونجحوا في ذلك أيما نجاح.واستمر هذا الحال للمئة عام المنصرمة، لكن ما لبث أن أدركت الأجيال المتعاقبة والشعوب المغلوبة على أمرها هذه اللعبة القذرة فانتفضت الشعوب على جلاديها وتسلحت الأجيال من جديد بعقيدتهم وعاد الوعي للكثير منهم، فزاد ضغط الحكام على شعوبهم ومن لم يستطع أن يجاهر ويقاوم الظلم في بلده هاجر إلى الغرب، ونقل معه الفكر الإسلامي المعتدل، وهذا لم يكن بحسبان الدول الكبرى، الأمر الذي أدى إلى أن يدخل الإسلام محبة ورغبة بسماحته وعدله أفواج من شعوبهم، وجذب خيرة مفكريهم وعلمائهم وشريحة واسعة من شبابهم مما أصبح يشكل هاجساً ومصدر قلق جديد يؤرقهم..فقرروا تشويه الدين وتجييش الجيوش مرة أخرى بعد أن لفظت الشعوب الكثير من عملائهم وجلاديهم، فأشعلوا الحروب في أكثر من دولة، ثم أوكلوا إدارة الأزمة لمجاميع مسلحة ومجاميع خارجة عن القانون، وروجوا لها أنها هي من تمثل الدين واصطنعوا لها ثوباً سموه الإرهاب، ونصبوا لها قيادات من جلدتنا ثم اتبعوا هذه الخطوة بأخرى أشد خطورة وهي إذكاء الطائفية وتوكيل إيران بها ومساندتها بلعب دور في غاية الخسة والنذالة، وقد أبدعت إيران بل ربما فاقت في تنفيذها الدور المطلوب منها أفضل مما خططوا لها، خصوصاً أن ذلك التوكيل يصب في حلمها في تصدير ثورتها المشؤومة.. لكن تبقى كل تلك الفوضى وفي نظر تلك الدول هدف محدود النتائج وربما يقتصر تأثيره في حوض الخليج العربي ولا يتعداه إلى الرقعة الإسلامية المترامية الأطراف خصوصاً وأنها تريد صياغة إسلام جديد لا يتعارض مع أهدافهم.حيث قررت أمريكا ومحورها وحزموا أمرهم في تبني ورعاية بعض المراجع والمعممين والمتطرفين والذين تطوعوا لخدمتهم وتخويل «الولي الفقيه» وأتباعه بالإشراف على مشروعهم كمسار لهدم جزء من الصرح الإسلامي، بينما اتخذ معسكر روسيا القيصرية الجناح الآخر لتبني وإسناد الحركة الصوفية المارتيدية ويساندهم الأشاعرة ليختزل بهما الإسلام السني ليلتقيا في النهاية جميعاً في هدف واحد هو الانقضاض على عرى الإسلام وفكها عروة عروة.. وكما هو معلوم للجميع أن الإسلام الذي يقض مضاجعهم هو إسلام أهل السنة والجماعة والذي يمثل النسبة الأعلى أتباعاً وتأثيراً وأصالة في هذه الأمة.. ولانفضاح الدور الصهيوني والأمريكي والأوروبي في مساندة إيران وتغطية كل جرائمها التي فاقت فضائح صربيا والنازية ومحاكم التفتيش الإسبانية ولنقل تجربة التمزيق والاحتراب إلى باقي جسد الأمة الذي لم تصله نار الطائفية، لكنه سيحرق هذه المرة ببعض من دعاة الفرق الإسلامية، فقد تم الترتيب والتخطيط لمؤتمر غروزني برعاية ورئاسة رئيس الشيشان المشبوه قاديروف فتم توجيه دعوات محددة لمن سيقوم بالدور التخريبي الإجرامي الجديد وهم جهات وشخصيات معروفة مكشوفة النوايا والأوراق..إن الغاية من انعقاد مؤتمر غروزني هو ليس كما جاء من عنوانه تحديد هوية أهل السنة والجماعة وجمعهم، بل هو لضرب وإخراج أهل السنة والجماعة من جسم الإسلام وحصر الإسلام بتلك الحركات القبورية والتي ستلتقي يوماً مع عقيدة إيران وربما سيتحدون إن تمكنوا من هدفهم تحت وصاية وولاية «الولي الفقيه»، وذلك لتطابق الكثير من الأهداف والمعتقدات بينهم لكنه وبفضل الله قد انفضح أمرهم مع أول يوم من انعقاده وحتى قبل إشهار بيانه الختامي وأخذ الكثير منهم يتسابق مخذولاً في الفضائيات لتبرير فعلهم القبيح..اليوم هنالك واجب شرعي وأخلاقي يقع على عاتق الأنظمة وعلى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وباقي الدول الخليجية والإسلامية تتمثل في تنظيف الجسد الإسلامي من تلك الخلايا السرطانية قبل استفحالها وتحديد المواقف وإعادة النظر في العلاقات مع الدول والحركات والشخصيات التي ارتضت لنفسها هذا الدور الخياني.. نعم أؤكد ذلك فهو دور خياني وهو لا يقل عن أي خيانة تستهدف الدول في استقرارها وأمنها وربما هذا النوع هو من أشد أنواع الخيانة فهو لايستهدف أمن دولة ونظام بل أمن أمة الإسلام بأسرها، فالأمر جد خطير ولا تستهينوا رعاكم الله به، كما استهنتم من قبل بالدور الإيراني واحجمتم عنه حتى أصبحت إيران بسكوتكم غولاً يريد أن يبتلع الجميع.