إن أكثر ما يستفز الإنسان المسلم في هذا العصر، هو وجود من يراقب نواياه الدينية وعقائده الإسلامية، فأعداد الشرطة الدينية داخل الأسرة وداخل المدرسة وداخل العمل وفي كل مفاصل المجتمع تفوق أعدادهم أعداد كل المكتشفين والأطباء والمهندسين والمخترعين في كل دول العالم، فمن يضع نفسه شرطياً على سلوك المسلمين ورقيباً على نواياهم يعتقد أنه وحده الإنسان المعصوم عن الزلل والخطأ، أما بقية الناس فلا يعدون كونهم مجموعة من المنحرفين والكفرة والفسقة يجب أن يقوم ما اعوجَّ منهم ويعيدهم إلى صراط الله المستقيم.
المراقب الديني، سواء كان رجل دين أو متديناً فوق العادة أو ممن حفظ بعض آيات القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية الشريفة والقليل من الأحكام الفقهية ليس سوى متطفل على خصوصيات المسلمين بحجة هدايتهم تارة وتارة تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا في الوقت الذي لا تتدخل الدولة الرسمية في هذه التفاصيل والخصوصيات لتقوم بمحاكمة نوايا الناس حول العبادات والمعاملات، بل تترك لهم حرية الاختيار وطريقة العبادة، بينما هناك من الناس من نصبوا أنفسهم حراساً على العقيدة وعلى أنفاس المجتمع. هؤلاء الطفيليون الذين نجدهم يعتلون المنابر الدينية والمساجد ويتصدرون الفضائيات الإسلامية ويتجولون ويتلصصون على حياة الناس الشخصية في الأسواق والشوارع والطرقات الخلفية بحجة هدايتهم، هم الذين يعرقلون حركة الإسلام في الحياة، وهم «حجر عثرة» حقيقية في وجه التطور والانطلاق نحو التقدم والتحضر، ولهذا يجب أن يتوقف هذا النوع من الكائنات الطفيلية فوراً عن ملاحقة المجتمع من أجل تفسيقه فقط ووصفه بأبشع الأوصاف.
«الخفير الديني» في واقعنا المعاصر هو الشخص الذي يتقدم على الدولة، وهو الإنسان الذي يرى في نفسه الأهلية المطلقة لترويض الناس، بينما لا يعدو كونه إنساناً عادياً للغاية يقوم بمهام الأنبياء والرسل مما قد يوقعه ويوقع الدولة في إشكاليات أخلاقية كبيرة للغاية، فيعقد حسابات الإسلام في العالم ويساهم في تشتت المسلمين عن قضاياهم الرئيسة وانشغالهم بسفاسف الأمور. ومن هنا يظهر دور الدولة كي ترفع يد «المحتسبين» عنوة عن كل تدخلاتهم السافرة في حياة المجتمع من أجل استقراره ونموه خارج إطار الفوضى والخفارة الدينية، فنحن مسلمون بالفطرة لا نحتاج لهذا الكم الهائل من الفضائيات والمنابر والخطب والعلماء والوعاظ والكتب والسياط الدينية، فالإسلام لا ينتشر بالقوة ولا يحتاج للقوة ولا يمكن أن يستمر بالقوة، فالإسلام دين الرحمة والمحبة والسلام لا دين العصا والعضلات والكلام السفيه، والإسلام دين المكارم والتسامح والأخوة واحترام القيم والإنسان وليس دين السيف والكراهية والإجبار وتخويف الناس. هذا ما يجب أن يفهمه المسلم الذي نصب نفسه وكيلاً عن الله تعالى في الأرض.