رغم الآثار الإيجابية الواضحة التي أسفرت عنها الحملة الذكية لإدارة المرور بهدف إشاعة أجواء الأمن والأمان على الطرقات، من خلال حملة «أعد النظر» أو عبر تطوير أنظمة رصد المخالفات، ونشر الكاميرات الذكية، إلا أننا مازلنا نشهد حوادث يندى لها الجبين. نعم، النسبة قلت كثيراً، والوعي زاد لدى الناس، سواء لدى المؤمنين بضرورة الالتزام بالقوانين، أو الذين يخشون من المخالفات والغرامات، رغم أن الفئة الأخيرة مسوغها غير مقبول، فالفكرة ليست في تفادي الغرامة المالية أو المخالفة، بل الفكرة في جعل تطبيق القانون جزءاً من الروتين الطبيعي والسلوك المفترض اتباعه يومياً، بحيث يكون الالتزام به حافظاً لك وللآخرين من التضرر. لكن رغم ذلك، مازالت بعض الممارسات مستمرة، مازال التهور موجوداً بنسبة خطيرة لدى بعض الشباب، ومازالت الأخبار الأليمة تطالعنا بشكل دائم، والخوف من حصول كوارث ومآسٍ خلال أيام العيد هذه. لا أعتقد أن هناك من لم يسمع بحادثة العرين في البحرين، وكيف كانت نتائجها الوخيمة بين وفيات وبين إصابات وعاهات، كل هذا بسبب التهور في القيادة. وقبل أيام لا يمكن أن يمر خبر مثل هذا علينا مرور الكرام، حينما انحشر شابان في سيارتهما بسبب إصطدام سببه قيامهما بـ«التفحيط»!سلوكيات لا تزال مستمرة في شوارعنا، رغم أن الدولة أوجدت لهؤلاء الشباب ممن يحبون السيارات والسرعة، أوجدت لهم حلبة البحرين الدولية بتجهيزاتها المتقدمة، وبوسائل السلامة والأمان المتوفرة فيها، وبالفعاليات العديدة التي تقام وكثير منها معني بالاستعراضات والسرعة وعمليات «التفحيط». لا يعقل أن يصل شبابنا لهذا المستوى من التهور، خاصة وأن العاقل يقف عقله قسراً للتمعن في الحوادث من حوله، وأجزم بأن محبي السرعة هم أول الناس الذين يتداولون أخبار الحوادث العنيفة التي سببها التهور والسرعة الجنونية. من يقود سيارته بسرعات تفوق السرعات المحددة في الشوارع، عليه أن يعي حقيقة هامة هنا، أنت لن تكسب من هذه السرعة المبالغ فيها سوى ثوانٍ معدودات لكنك في المقابل يمكنك أن تخسر حياتك، يمكنك أن تضع حداً لوجودك في الدنيا، والأدهى أنه يمكنك أن تمارس القتل وتزهق أرواح الآخرين. ما الفائدة من السرعة أصلاً؟! البحرين كمساحة دولة صغيرة يمكنك أن تقطعها شمالاً وجنوباً في ساعة زمن، في المقابل، ما فائدة هذه الاستعراضات التي تصنف على أنها حركات مراهقين ليس أكثر، وفيها من الخطورة على الشخص نفسه قبل الآخرين؟!المجتمعات المتحضرة لا تجد فيها مثل هذه الممارسات بكثرة، لا تجد فيها حوادث مميتة بسبب السرعة إلا نادراً، وكل ذلك يعود للوعي المجتمعي، الوعي الذي نجده قد ترسخ لدى أجيال الشباب بسبب التربية الصحيحة، وبسبب طرق الإقناع الذكية التي تدفعهم لتصنيف الأفعال إلى ما يفيد ويضر. رجاؤنا الحار للشباب وبالأخص في هذه الأيام، رجاء لا تقلبوا حياة البشر من فرح إلى حزن بسبب حوادث السرعة والتهور، رجاء لا تشيعوا الحزن في عوائلكم عليكم، ورجاء قدروا أنكم ستعيشون مرة واحدة فقط، فلا تقتلوا أنفسكم بسبب ثوانٍ تهور وجنون. رجاء لا تكونوا شباباً يبحثون عن الموت!