البعض شكك كثيراً في مخطط لويس برنارد لتقسيم دول الشرق الأوسط، ورأى فيها مبالغة كبيرة.
لكن اليوم، وبغض النظر عن تفاصيل المخطط القديم جداً، نجد أن الساحة تتجه لتطبيق بطيء لهذا المخطط.
التقسيمات طالت دولاً عدة منها اليمن والسودان، واليوم العراق مقسم أصلاً وإن لم يعلن رسمياً عن حدود هذا التقسيم، وفي المستقبل غير القريب المصير سيكون مشابهاً لسوريا.
هذا الكلام ليس من بنات أفكارنا، بل هو استقراء صريح لما يحصل، تدعمه تصريحات أمريكية تصدر بين الفينة والأخرى، تؤكد بدورها على أن التقسيم قادم لا محالة، وتتوازى هذه التصريحات مع محاولات أمريكية لتبرئة ساحتهم من أي ضلوع فيها، رغم أن الإدانة واضحة نظراً لنسبة التطور.
مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جون برينان قال في آخر تصريحات نشرت له، بأنه لا يملك الثقة في إمكانية إنشاء حكومة مركزية في كلا من العراق وسوريا تكون مهمتها إدارة الأمور بشكل عاجل، وعليه فإنه يرى أن تقسيم العراق وسوريا حاصل لا محالة.
مشكلة الأمريكان تكمن في سوء تقديراتهم لما يتعلق بالحروب، إذ بالنظر لقوتهم العسكرية هم يظنون دائماً بأن تدخلهم في أي منطقة يعني حسم الأمور فيها بسرعة، ولكن لهذه القناعة أدلة تثبت خطأها.
في الحرب العالمية الثانية أجبرت أمريكا على استخدام القنابل الذرية لتضرب اليابان، وهو خيار أعلنوا بأنه تم اضطراريا، لأن الحقيقة كانت بأن الوعود العسكرية الأمريكية ومخططات الحرب لديهم والتي قالوا عنها بأنها مدروسة بل مضمونة، سارت بعكس ما ظنوه.
في حرب فيتنام ذاق الأمريكان الأمرين، فلم يستطيعوا السيطرة على الأرض، وتعرض جنودهم لحرب أدغال وأحراش وشوارع كبدتهم خسائر مريعة، ومازال بعض جنود تلك الحقبة يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية. وفي العراق فشل الأمريكان فشلاً ذريعاً، وكانت النتيجة أن سلموا الدولة العربية التي كانت يوماً درعاً في وجه أطماع الإيرانيين، سلموها طواعية لخامنئي ونظامه، لتتحول العراق إلى دولة ممزقة الأوصال في كل بقعة منها طغيان لفئة تتصارع مع فئات أخرى.
واليوم سوريا تتجه لنفس المصير، في ظل عجز الأمريكان عن تنفيذ وعودهم للسوريين الأبرياء بأنهم سيتدخلون لحمايتهم باسم حقوق الإنسان من جرائم الطاغية بشار الأسد، لكن الصورة تحولت لكارثة إنسانية حقيقة لشعب يقتل من جميع الأطراف، من قبل بشار المدعوم بالحرس الثوري الإيراني وعناصر «حزب الله» من جهة، ومن قبل «داعش» من جانب آخر، وتحول الأمريكان من محاربين لبشار، إلى محاربين إلى جوار بشار نظرياً تحت مسمى محاربة الإرهاب.
بالتالي أبسط الحلول الأمريكية التي يوثقها التاريخ، تكمن في التخلي عن الحرب التي تبدأها، ومن ثم تركها لتتحول البلدان إلى خرائب، ويكون الحل في تقسيمها طبقاً للإثنيات والأعراق والطوائف، لتأتي المرحلة الأخيرة التي يتدخل فيها الأمريكان مجدداً تحت شعارات اجتماعات التفاهم وعمليات إعادة البناء والإعمار.
بالتالي مصير العراق محتوم، ستتقسم هذه الدولة وسيعاني شعبها ويلات أكثر، وعلى نفس المنوال سيكون مصير سوريا.
الخلاصة بأن كلاماً يصدر من مسؤول أمريكي بحجم رئيس الاستخبارات لا يمكن أن يكون كلاماً عبثياً يصدر هكذا.