لعل من أكبر التحديات التي تواجه الدولة ومنظمات المجتمع المدني في البحرين هو قدرة هذه الجهات على احتواء الشباب نحو العلم والعمل والإبداع والثقافة، وهذا الأمر لا يكون إلا عبر حزمة من الفعاليات الجادة والمتواصلة وعبر استراتيجيات صريحة وطويلة الأمد. وحين نتكلم عن فعاليات ثقافية ذات أبعاد زمنية ممتدة فإننا نتكلم عن أدوار وأهداف وخطط مدروسة وواضحة وليس عن نشاطات مدرسية أو صيفية مؤقتة، وهذا ما قد يتطلب من جميع الجهات المعنية جهوداً مضنية في اتجاه بناء كوادر شبابية بحرينية للمستقبل.
لا يمكننا ونحن نتحدث عن المستقبل وعن شباب الوطن وعن الاستراتيجيات الثقافية أن نتردد لحظة واحدة أو نبخل في ضخ المزيد من الأموال والجهود والخبرات والوقت في خزانة هذا الملف البالغ الأهمية، فحين نتحدث عن أهمية انتشال الشباب من الشارع وإبعادهم عن طريق المخدرات والسرقات والإرهاب والعنف وكل أشكال الجريمة فإننا نتحدث عن موازنات مهمة للغاية يجب أن تضخ في خزانة الثقافة، فالفعاليات الثقافية الرصينة والفاعلة والمنتجة التي يمكن لها أن تجذب شبابنا نحوها تحتاج إلى مزيد من رؤوس الأموال المعتبرة كما هو الحاصل في كل الدول المتقدمة، حيث تشتغل مسارح تلكم العواصم وصالاتها الثقافية طيلة العام لجذب السائحين والمواطنين من الشباب إليها. الثقافة هناك ليست موسمية أو طارئة بل هي حركة مستمرة في صلب الدولة والمجتمع، وفي حال قطعت الدول الراعية للثقافة هذا المنجز الحضاري من وجودها ومن حركتها فإنها تصاب بالشلل، لكنها لا تفعل ذلك.
حين تكون الحركة الثقافية عبارة عن حركة «صيفية» عابرة فإننا في هذه الحالة نتكلم عن فعاليات طارئة وليس عن حالة ثقافية تتلبس المجتمع طيلة أيام العام، وحين تقصر الجهات المعنية في احتضان شباب الوطن بغياب عديد الفعاليات وغلق غالبية المسارح واختفاء الثقافة من محطاتها الرئيسة بسبب ضعف الميزانية المقررة لذلك بعدها لا يحق لنا أن نلوم الشباب بشكل كامل، حيث لا مكان يؤويهم ولا فعالية تجمعهم، فيتجهون مجبرين إلى أماكن ومحطات لا نرغب في الحديث عنها كثيراً، لكنها بلا شك تعتبر من أسوأ النهايات التي لا يتمناها أحد لهؤلاء الشباب.
سواء كانت هنالك أزمة اقتصادية أو مالية تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في ضخ موازنات داخل المشهد الثقافي في البحرين، سيكون أهون بكثير من ضياع شباب الوطن أو انخراطهم في أعمال إرهابية أو أعمال عنف، فالأموال التي تذهب للثقافة ربما ترهق ميزانية الدولة، لكنها لن ترهق الوطن، فجذب الشباب البحريني للمسارح والسينمات ودور الثقافة وللصالات التي تحتضن الفعاليات والندوات الثقافية وغيرها ليس بالخسارة، بل هو الربح بعينه، وما أجمله من ربح.