متسلقون ومرتزقة، بهاتين الكلمتين وأمثالهما يصف من يعتبرون أنفسهم «معارضة» كل من لا يوافقهم على تصرفاتهم وتصريحاتهم وكل من يقول كلمة حق تنصف الحكومة وكل من لا يتمكنون من الرد على ما قال أو كتب بشكل منطقي. هذه الكلمات تساعد على الهروب من الإجابة لكنها تسيء إليهم وتضعف موقفهم، فهي حيلة الضعيف لا القوي.
من ذلك على سبيل المثال أن أحدهم عندما سئل خلال استضافة البرنامج الذي تدعم به فضائية «العالم» الإيرانية، ما يسمى بـ»المعارضة» عن رأيه في ما كتبته بأحد مقالاتي عن أن ما يقومون به في الخارج من اعتصامات «بو نفرين» أمام سفارات البحرين والسعودية لا قيمة له ويصب في باب «تبرئة الذمة»، لف ودار ولم يوفر جواباً مقنعاً، وختم بالقول إن هذا الكاتب «مرتزق» وهمه «استحلاب الحكومة»!
الجواب نفسه يأتي من كل من يعتبر نفسه «معارضة» عندما يسألون عن رأيهم فيما يكتبه الآخرون الذين لا يتوافقون معهم ويقولون كلمة حق تصب في صالح الحكومة لا في صالحهم. وكأن الحكومة قد أوكلت إلى شخص لتوزيع الهبات يومياً على كل من يكتب كلاماً يرضيها ويغيظ «المعارضة».
هذا يعني أن تفكير هؤلاء لم يتطور حتى بعد مرور قرابة ست سنوات على إقحام أنفسهم في العمل السياسي، ولن يتطور، وسيستمرون في استخدام هذه الكلمات ومرادفاتها حتى النهاية التي لن تكون في صالحهم إن أصروا على الجمود ومنع أنفسهم من التطور.
الجديد في ردود أولئك هو أنه طالما أن الكاتب الفلاني أو العلاني كتب عن الموضوع الفلاني أو العلاني فهذا يعني أن الأمر موجع بالنسبة للنظام وإلا لما أوعز إلى «أزلامه» للكتابة عنه. وهذا يؤكد من جديد عدم تطور تفكيرهم وإصرارهم على منع أنفسهم من التطور. هؤلاء يعتقدون أن كل ما يكتبه غيرهم ولا يصب في مصلحتهم يدخل في باب التطبيل للحكومة، ولعلهم يفتون بعد قليل بإخراجهم من رحمة الله تعالى ودخولهم النار. فهم الصح، كل الصح، وهم كل الوطنية، ومن ركب معهم نجا ومن تخلف عنهم غرق.
بناء على ما سبق يمكن القول إنه لو أن المفوض السامي لمجلس حقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين لم يقل في كلمته الأخيرة بجنيف ما يطربهم ويرضيهم لاعتبروه مرتشياً ومرتزقاً ومتسلقاً ولقالوا عنه ما لا تجيز الأخلاق قوله، ولكن لأنه قال ما أسعدهم -ربما لينجو بنفسه من لسانهم- لذا اعتبروه بطلاً وأنعموا عليه ببطاقة تؤهله دخول الجنة، وسيستمرون في امتداحه حتى يقول كلمة لا تصب في صالحهم ليوجدوا فيه ألف عيب ويوجهوا إليه ألف شتيمة.
في السياق نفسه، فإن كل من انتقد من الكتاب في اليومين الماضيين الكلمة المتطرفة للمفوض السامي اعتبره أولئك مرتزقاً ومتسلقاً ومعتدياً على الحقيقة، بينما كل من أشاد بما جاء فيها من مبالغات وامتدح مرتجلها اعتبروه مناصراً للحق وشريفاً.
ليس بالكلمات الشاذة ووصف كل من لا يتوافق معهم أو لا يرضون عنه بالمرتزق والمتسلق والمرتشي والخائن تتطور «المعارضة»، ويمكن أن تقنع العالم بصحة موقفها ورأيها ولكن بالمنطق لو كانت تمتلكه، خصوصاً وأن ما يكتبه كتاب المقالات لا يعبر إلا عن آرائهم الشخصية وقناعاتهم وليس صحيحاً أن ما يكتبونه يعبر عن رأي الحكومة وموقفها فلتلك آلية أخرى ورجال آخرون مهمتهم بيان ذلك ونشره.
الرد على الرأي يكون بالرأي وبالمنطق ومقارعة الحجة بالحجة وليس بنعت أصحابه بنعوت لا يليق بمن يعتبر نفسه «معارضة» أن ينطق بها، ومن يملك أصالة الرأي وقوة الحجة وحقانية الموقف -كما قال السيد الغريفي- لا يلجأ إلى هذه اللغة، فهي «لغة الضعفاء والمفلسين».