الملف اليمني بحاجة لحسم، إما تحرير لصنعاء ونحن لها إن شاء الله، وإما القبول بالانفصال والانقسام الجنوبي والشمالي، أو القبول بالتسويات السياسية بين اليمنيين أياً كانت، أما الاستمرار على هذا الحال وإبقاء الجرح اليمني نازفاً إلى ما لا نهاية فإنه باب للشر، ولست هنا أتحدث عن دماء شهدائنا، فهم والله ليس جرحاً بل هم تاج نفخر به على رؤوسنا، ودماؤهم لم تكن نزفاً بل كل نقطة أريقت من دمائهم كانت دفاعاً عن شرفنا وأمننا وسلامتنا نعتز بها ونؤكد على أحقية موقفنا من «عاصفة الحزم» وعلى استعداد لبذل المزيد إيماناً منا بوحدة المصير.
إنما أشير هنا إلى نزف آخر من وريد آخر يغذي شريان «الاتحاد» بين دول مجلس التعاون، فكلما طال الزمن وبقي الملف اليمني مفتوحاً، إثر التباين بين دول مجلس التعاون في هذا الملف على موقفها من «الاتحاد» الذي انتظرناه طويلاً، هذا هو النزف الذي نخشاه.
«المغناطيس الإيراني» يضع ثقله في منافذ تلك التباينات في المواقف بين دول مجلس التعاون، لسحب الأعضاء واحداً تلو الآخر وإبعادهم عن البيت الخليجي كما يفعل الآن، حتى تحول البعض منا – مع الأسف – إلى حليف لخصومنا، هذا هو النزف الذي لابد أن نحسب حساب صعوبة وقفه إن استمر أو التقليل من مخاطره!!
بل إن أكثر ما نخشاه التقليل من هذه المخاطر أو التغاضي عنها أو مجاملتها فإن ذلك من شأنه زيادة سيفتح الفرص لإيران، أضف لذلك أن لنا مواقف هي الأخرى متباينة في ملفات أخرى كالملف المصري والملف الليبي ستؤثر هي الأخرى عاجلاً أم آجلاً على تماسك الجبهة العسكرية في الحد الجنوبي، وكلها منافذ مفتوحة لدخول رياح التفكيك الخليجي، وذلك نزف نخشاه أكثر من دماء شهدائنا وذلك أخطر ما سيواجهنا في المرحلة القادمة.
أمامنا شهران يفصلانا عن موعد انعقاد القمة الخليجية في المنامة، نأمل أن يجتهد قادتنا الأفاضل في الإعداد للإعلان عن خطوات تحسم الملف اليمني في أي من الخيارات السابقة، خاصة وأن عاصفة الحزم حررت ثلاثة أرباع اليمن وأعادت الحكومة الشرعية لدارها وأبعدت عنا الخطر الإيراني الممثل في الحوثيين، إغلاق هذا الملف – أياً كان اتجاه الغلق – مسألة من شأنها أن توقف نزف التباعد والتباين، وتقربنا أكثر من الاتحاد - حتى وإن كان بمن جهز- هذا هو ما ننتظره في ديسمبر القادم من قادتنا، أما الأجواء الاحتفائية فدعوها للشعوب فهي كفيلة بالإعداد للاحتفاء بهذا الموعد.
فهي ستحتفي بتلقائيتها وعفويتها كما اعتادت دوماً ولا تنتظر الإشارة أو الأمر، بل إن توق هذه الشعوب لبعضها البعض وانتظارها لهذا الموعد هو بناء ذاتي في كيانها وذاكرتها ومخزونها الفكري ويؤكد رغبتها الحقيقية بالاتحاد، إنما تلك الشعوب تنتظر من قادتها أن يفعلوا هذه الرغبة وينقلوها إلى الواقع الإداري والسياسي، فالاتحاد بين شعوب المنطقة جار ومفعل حتى مع الأعضاء الذين يبعدون عنا مسافة في حربنا ضد إيران ويبعدون عنا مسافة في الملف اليمني، على عكس ما هو الموقف بين الأنظمة. تلك أجواء احتفائية وروابط تاريخية راسخه بين الشعوب وستظل إن شاء الله لا يفسد بينها اختلاف على هذا الملف أو ذاك.
إنما تنظر الشعوب للمخاطر والتهديدات التي تواجه بيتنا الداخلي بتوجس وخوف، وتأمل الشعوب أن تحسم القيادات وتغلق تلك الملفات حتى لا تنتقل لها عدوى هذا التباين في المواقف السياسية من القمة إلى القاع وتؤثر على ترابطها العفوي، حينئذ ستكون تلك هي الطامة الكبرى التي نتمنى ألا نصل إليها.