لابد للعرب أن يغيروا من واقعهم حتى يستطيعوا أن يغيروا مستقبلهم، كما يجب عليهم أن ينظروا إلى الأمام بدل أن يستغرقوا في الالتفات إلى الوراء، فالكثير من القضايا اليوم مازالت عالقة لم تتحرك والكثير من الأفكار والسلوكيات والاستراتيجيات السياسية والاقتصادية لم تتزحزح من مكانها، مما جعلنا في ذيل الترتيب العالمي في كل شيء إضافة إلى أنها أصبحت مؤاخذات ضدنا في كل المحافل الدولية، بعيداً عن نظرية المؤامرة ومدى صحتها في هذا المجال.
إن من أبرز القضايا التي أصبحت مصيدة ضد غالبية العرب حول العالم هو تراخيهم في تحقيق القدر المستطاع من الديمقراطية وتثبيت حقوق المرأة واحترام حقوق الإنسان وحرية المعتقد ومحاربة الفساد وتغيير مناهج التعليم والاهتمام بالطفولة وغيرها من القضايا التي تحولت من شماعة إلى واقع، بسبب عدم الاكتراث إلى أصوات التغيير وإلى أصوات المخلصين والمثقفين الذين حاولوا إعادة العربة العربية إلى سكتها الحضارية بشكل ناعم، لكن الكثير من القوانين التي نتمسك بها حالت دون ذلك، حتى جاء «الربيع العربي» الذي أسقط الكثير من الأنظمة بمعية اليد الغربية التي كانت تنتظر هذه اللحظة الحاسمة لتبرير سلوكها ضد العرب الذين لا يسمعون صوت الإنسان حسب توجيههم لأزماتنا.
من هنا نحن نؤكد على ضرورة أن يتبنى العرب الكثير من المشاريع التغييرية، والسعي لتحقيق حلم الأفراد والشعوب بعيداً عن الإملاءات الأجنبية بكل تأكيد، لكن مع الأسف فإن الكثير من الدول العربية مازالت متمسكة بمواقفها السلبية والصلبة من قضايا المرأة والعدالة والفساد والحريات، وإلى ما سواها من القضايا التي أضحت اليوم في بقية أنحاء العالم المتقدم من أبرز المسلمات والبديهيات، في الوقت الذي يريد بعضنا إعادة واقعنا الثقافي والحضاري إلى الوراء لآلاف السنين في مشهد كوميدي أضحكوا من خلاله علينا كل العالم.
يجب على العرب أن يتحرروا من غالبية قيود الماضي وأصنام أفكاره، فهذا العصر أكبر من «نكاتنا» وأعمق من تطلعاتنا وأوسع من رؤانا، ولهذا أمامنا خياران، إما أن نتعايش بكل أريحية مع الواقع المعاصر بكل تفاصيله المهمة للحاق بركب العالم المتحضر عبر قطار العلم والمعرفة، أو أن نظل رهائن الماضي والأفكار المتخلفة تحت مسميات التراث والأصالة وغيرها من القيم التي لا تتسق غالبيتها وصراع الإرادات التي يعيشها أبناء هذا الكوكب الذي لم نعد نحفظ منه سوى اسمه. حين نتجاهل الواقع فإننا نتجاهل المستقبل، ومن يتجاهل المستقبل فإنه لن يكون مؤهلاً لأن يعيش في عصر الفضاء.... عصر المعلومة.