من أبرز أسس نجاح الدولة ومضيها نحو الارتقاء بمواطنيها هو إصرارها على تطبيق القانون على جميع المواطنين والمقيمين. في دولة القانون لا توجد استثناءات ولا «واسطات» ولا «محسوبيات»، وإنما الحَكَم بين المواطنين والدولة هو القانون نفسه والعدالة تكمن في تطبيقه، فمن يقرأ مدى التطور الذي وصلت إليه الدول الأوروبية وغيرها من الدول المتقدمة يدرك حقيقة واحدة لا لبْس فيها، وهي أن القانون محترم ومن لا يحترم القانون فهو غير محترم، وقس على ذلك كل الأمور التي من شأنها أن تضع هذه الدول في مصاف الدول المتحضرة، فالقانون ولا شيء سواه.
لا نعرف من أين «تؤكل الكتف» حين نريد إيصال هذه الفكرة، وكيف لنا أن نضرب الأمثلة بخصوص ضرورة تطبيق القانون في المملكة، فهناك الكثير من القوانين الجميلة والفاعلة التي تحفظ النظام لكنها غير مطبَّقة على جميع المواطنين، إذ ان الإستثناءات غير المبررة تعصف بهيبة القانون وتطرحه أرضاً، مما يشجع على انتشار مثل هذا الوعي الأعرج بين بقية المواطنين رغبة منهم في مخالفة القانون، خصوصاً حين يرون أنفسهم وحدهم من يتحمل تطبيقه.
لعل من أبرز الأمثلة المؤسفة لهذا التطبيق غير النزيه هو ما تقوم به وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني من اقتطاع زوايا من بيوت المواطنين التي تقع على أكثر من شارع، ولأجل سلامة الرؤية وسلاسة مرور السيارات والحركة المرورية ولأجل الحفاظ على أرواح مستخدمي الطرق، أقرَّت الجهات المختصة عبر مجموعة من المهندسين اقتطاع زوايا مهمة من منازل المواطنين لكشف الشارع أمام كل السائقين، وهذا قانون جميل لا لغط فيه ولاجدال عليه.
اليوم، يحتاج المواطن البسيط صاحب البيت الصغير جداً والذي يقع في زاوية الشارع لكل شبر في منزله، ومع كل هذا العناء في استغلال مساحة منزله وتضييع جزء منه، فإنه رضي باستقطاع أرضه تحت عنوان «الزوايا الجانبية» لأجل سلامة الناس والحركة المرورية وغيرها من المبررات الأخرى، لكن، أن تقوم وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني باستقطاع أجزاء وزوايا من منازل كل المواطنين الصغار وتستثني من القانون نفسه الكثير من المواطنين الكبار الذين يملكون منازل عملاقة ربما تقع «على أربعة شوارع»، أو أنهم يملكون مجمعات سكنية «كمبونات» تمتد بامتداد البصر، فإن ذلك يعتبر التفاف على القانون وعدم التزام الجهات المختصة بتطبيقه على الجميع، بل نحن نؤكد أن بعض المجمعات السكنية التي لم تُستقطع منها زوايا جانبية واحدة حتى هذه اللحظة لأسباب لا يعلمها إلا الله، تشكل خطورة كبيرة جداً على مستخدمي الطرق وعلى حياة الناس!
ليست «الزوايا الجانبية» هي الفكرة الأم في هذا الموضوع، بل هي مثالنا الأوضح على وجود استثناءات في بعض القوانين التي يجب أن تكون شمولية مع بعض الاستثناءات التي حددها القانون نفسه وليس حسب قوة الموظف أو المواطن، نتمنى أن تكون الفكرة «واضحة».