يخبرنا التاريخ أن بعض الأحداث التي قد تحدث في شهور أو أسابيع قليلة قد يمتد أثرها إلى عقود من الزمن. فعلى سبيل المثال ما حدث عام 1989 من نهاية السلطة الشيوعية في المجر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا، وسقوط جدار برلين، والغزو الأمريكي لبنما، واجتماع قمة مالطا بين ميخائيل جورباتشوف والرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، إذ أعلن فيها الزعيمان نهاية الحرب الباردة. وعام 2001، وما حدث فيه من اعتداء على برجي التجارة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد قارن بعض الباحثين -أبرزهم ديفيد بيل أستاذ التاريخ بجامعة برينستون في مقالته التي نشرها في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية- بين ما حدث في هذه الأعوام السالف ذكرها، والأحداث التي تمت في أوائل عام 2016 من هجمات إرهابية قتلت ضباط شرطة في ولاية دالاس الأمريكية، وخشية انتشار موجة عنف في الولايات المتحدة الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عقب الاستفتاء على ذلك، والهجمات التي يعلن تنظيم الدولة «داعش» مسؤوليته عنها سواء داخل أوروبا أو خارجها، فضلاً عن محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا.
والجدير بالذكر أن أحداث 1989 و2001 كانت أبرز سماتها، أولاً، أنها صناعة غربية، فمن قام بها هم الغرب، وبين بعضهم بعضاً. وثانياً، أنها حدثت في الغرب وامتدت إلى كافة أنحاء العالم. وثالثاً، أن الإجراءات القصوى فرضها الغرب وروجها للعالم أجمع. ورابعاً، أن هذه الأحداث حدثت بسبب تبني الأصوليين في الغرب لها، وقدرتهم على ترويجها وإشاعتها في مجتمعاتهم، ثم تمددت في باقي أنحاء العالم. وخامساً، أن العرب كانوا مفعولاً بهم، ولا يزالون متأثرين بها، وفي موضع اتهام.
أما عن أحوال العالم في 2016، فتختلف عن الأعوام السالف ذكرها، في عدة أمور: أولها، أن الثورة التكنولوجية التي حدثت منذ أواخر القرن العشرين، لم تكن موجودة من قبل، وبالتالي ستكون وتيرة الأحداث وامتدادها أسرع، وأكثر انتشاراً بالفعل. وثانيها، العولمة في ثوبها الجديد حيث لم يسبق لها مثيل من حيث عمق التأثير في المجتمعات، وتقاربها، وانتشار الأحداث وحدوث عدوى منها بسرعة شديدة. وثالثها، أن كل الأحداث التي تحدث عنها بيل حدثت في الغرب أيضاً، وانتقلت آثارها إلى باقي دول العالم من شرقها لغربها، ومن شمالها لجنوبها. ورابعها، أن وضع العرب الآن أسوأ من ذي قبل، فهم في موضع اتهام بالتخلف وتصدير الإرهاب وغير ذلك. وخامسها، أن العرب اليوم أكثر فرقة من ذي قبل، ويعانون من أزمات شديدة للغاية في الداخل، ومع دول الجوار أكثر من ذي قبل.
وفي الختام، إذا كان بعض الباحثين ينبهون إلى سوء عام 2016، فعليهم أن يضعوا في حسبانهم عظم تأثير الثورة التكنولوجية والعولمة في ثوبها الجديد، ووضع العرب المأزوم، وأيضاً أن الأحداث بدأت من الغرب مرة أخرى وستنطلق منه.
ومن هنا فعلى العرب مسؤولية أن يفكروا ويبدعوا في خلق البدائل التي تساعدهم في الحفاظ على وجودهم، ويدركوا أنهم سيتحملون جزءاً كبيراً من هذه الأحداث، ليقللوا خسائرهم، وتأثرهم بها.