من المستقر عليه -وعلى الأخص في القانون الدولي الخاص- أن أطراف العقد أنفسهم هم الذين يحددون القانون الذي يحكم العقد المبرم فيما بينهم.
ومن هذا المنطلق، فإن للأطراف الحق في الاتفاق على تجميد القانون الذي يحكم العقد فترة من الزمن -حتى لو كانت الدولة طرفاً فيه- ومؤدى ذلك أنه لا يسري على التصرفات القانونية الناشئة عن تنفيذ العقد إلا تلك الأحكام النافذة وقت إبرام العقد فقط، دون أية تعديلات جديدة تطرأ على القانون الحاكم للعقد أو على أي قانون آخر يؤثر في العقد. وهذا ما يعرف بالثبات التشريعي.
ومن ناحية أخرى فإن بإمكان الأطراف أيضاً الاتفاق على عدم جواز تعديل العقد بالإرادة المنفردة طوال مدة العقد إلا أن يتم ذلك بموافقة الطرفين، وهذا ما يعرف بشرط ثبات العقد.
وتحقق شروط الثبات التشريعي وثبات العقد الرغبة المشتركة لأطراف العقد في مراعاة توقعاتهم المشروعة والمحافظة على توازن واستقرار التزاماتهم التعاقدية.
والهدف من شروط الثبات هو طمأنة الطرف الأجنبي المتعاقد مع الدولة، على سريان القوانين واللوائح المعمول بها لحظة إبرام العقد، وأنه لن تطبق عليه أية قوانين أو لوائح تصدر في المستقبل. وعليه فإن تلك الشروط تعطي حصانة للطرف الأجنبي ضد الدولة، التي يعتبرها في مركز أقوى منه بسلطاتها التشريعية.
أولاً- شرط الثبات التشريعي. يعرفّ بعض الفقه شرط الثبات التشريعي «بأنه ذلك الشرط الذي يمنع الدولة من التغيير لمصلحتها من الوضع القانوني».
ويذهب فقه آخر إلى أن شرط الثبات التشريعي هو تجميد للقانون الوطني للدولة على الحالة التي كانت عليها وقت إبرام العقد، بحيث يمتنع على الدولة إجراء تعديل أو تغيير على أحكام قانونها الوطني والتي من شأنها المساس بالعلاقة التعاقدية القائمة بينها وبين متعاقدها الخاص.
ذلك أن القانون الواجب التطبيق على العقد قد ينظم المسائل ذات العلاقة بالمساواة (على سبيل المثال) بين الأطراف ويحفظ التوازن لهم، فإذا ما صدر قانون آخر يعدل في ذلك القانون المتعلق بالعقد مباشرة أو يفرض التزامات جديدة بزيادة نسبة الضرائب أو الجمارك أثناء تنفيذ العقد، فإن هذا القانون الجديد لا شك سيؤثر على التزامات المتعاقد مع الإدارة على نحو يزيد من أعبائه المالية على خلاف ما كان في وقت إبرام العقد. لذلك تأتي شروط الثبات التشريعي لتحافظ على هذه الالتزامات التي أُبرم العقد في نطاقها كضمانة للمتعاقد مع الإدارة.
ويرجع أساس شرط الثبات التشريعي حسب بعض الفقه إلى أن الأطراف حين اختاروا صراحة تطبيق قانون وطني معين وفق ما لديهم من حرية الإرادة، انصرفت نواياهم إلى القانون الساري وقت التعاقد دون أي تعديل يطرأ عليه بعد ذلك، أي أن إرادتهم اتجهت إلى القواعد القانونية التي اختاروها وفق ما هي عليه وبأي صورة كانت وقت إبرام العقد نظراً لملاءمتها للتطبيق دون غيرها من القواعد القانونية الأخرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن القانون المختار من قبل الأطراف يندمج ضمن نصوص العقد وفقاً لمبدأ إطلاق حرية المتعاقدين، ومن ثم يفقد القانون وصفه كتعبير عن إرادة المشرع الذي أصدره، إذ قد صار جزءاً من العقد وحكماً من أحكامه، سواء أدرجت نصوصه بالعقد ذاته، أو أشير إليها بنص من النصوص.
كما أن الصفة الدولية للعقد -لاسيما التي تبرمه الدولة- تقتضي تغليب إرادة المتعاقدين على إرادة غيرهم ولو كان هو المشرع الوطني.
ويرى جانب من الفقه «أنه ولئن كان شرط الثبات التشريعي يمثل إخلالاً بسيادة الدولة في حقها في إصدار تشريعاتها، إلا أن هذا الإخلال يبرره رغبة المتعاقد الأجنبي في توفير قدر من الثبات للظروف الاقتصادية المحيطة بالتعاقد مما يوفر له أكبر قدر من الحماية التي تتطلبها طبيعة هذا التعاقد من وجود شركة أو مجموعة شركات أجنبية كبرى ترغب في تنفيذ الأعمال المتعلقة بأحد مشروعات البيئة الأساسية الكبرى الذي قد يتكلف مبالغ طائلة وقد يلحق بهذه الشركات بعض الخسائر المالية الجسيمة نتيجة التقلبات التشريعية المتتالية.
وإذا ما كان لهذا الإخلال ما يبرره من المصلحة العامة، فإن قاعدة الضرورات تبيح المحظورات تكون هي الأجدر بالتطبيق في هذه الحالة، وطالما أن الضرورة تقدر بقدرها، فلا ضرر ولا ضرار».
وتكمن الغاية الأساسية من شروط الثبات التشريعي في حماية الطرف المتعاقد مع الدولة من المخاطر الكثيرة المحتملة الناتجة عن استعمال الدولة لسلطاتها في تعديل أو تغيير القانون الذي يحكم العلاقة التعاقدية. وبالتالي يضمن المتعاقد مع الدولة من خلال هذا الشرط استمرارية بقاء القانون الذي أبرم العقد في ظله حتى انتهاء مدة تنفيذ العقد دون الاعتداد بأي تعديل يرد عليه مستقبلاً......يتبع.