إن الجميع في بقاع الدنيا يهاجرون إلى الشمال حيث تعاني ولايات ومحافظات الجنوب من نقص المرافق والخدمات وندرة المؤسسات والفعاليات والأحداث، أما «الجنوبية» في البحرين فهي عكس ذلك، إذ تختلف عن كل الجنوبيات في معظم دول العالم، ولكن السؤال.. فيم تختلف؟
إن الجنوبية شأنها شأن كل محافظات البحرين تتمتع بالمرافق الصحية والإسكانية والتعليمية والخدمات والبنية التحتية ذات المستوى المتميز سواء في الطرق السريعة أو شبكات المرافق والكباري وأنفاق طرق السيارات وغيرها من مؤهلات الدولة الحديثة والتي جذبت الجمهور والمستثمرين من داخل البحرين وخارجها.
إن ما تتمتع به البحرين من تحديث وتطوير خلال الخمسة عشر عاماً الماضية لهو من ثمرات المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، الذي بدأ بميثاق العمل الوطني 2001، وكان بداية الانطلاقة الحقيقية للمملكة الدستورية في 2002، وفتح المجال لجذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية، لتفيد في بناء البحرين الحديثة، وتتيح عشرات الآلاف من فرص العمل الجديدة للشباب البحريني.
ولذا أصدر صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، التوجيهات والقرارات السديدة لبناء البحرين وتحديثها، تلك الشخصية القيادية القوية، فهو الذي له بصماته النهضوية والتطويرية لكل مكان على أرض البحرين، والذي حمل أمانة بناء دولة حضارية حديثة أصبحت محط أنظار العالم ومؤسساته الدولية، نتيجة القفزة العمرانية والاقتصادية والسياسية التي حققتها.
«الجنوبية» تحتضن موسم التخييم بالقرب من قصر الصخير العامر، وهو الموسم الذي ينال جهداً كبيراً من محافظ الجنوبية معالي الشيخ عبدالله بن راشد آل خليفة، الذي اهتم بالتخطيط العلمي السليم لهذا الموسم، كما تحوي «الجنوبية» منارات حضارية منها قلعة الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح، ومتحف النفط، وجامعة البحرين، التي تشهد تطوراً كبيراً هذه الفترة، وإعادة هيكلة وتحديث برئاسة العالم الكبير د.محمد رياض حمزة، جعلها تقفز للمرتبة رقم 33 عربياً، وسعياً لمراتب جامعية متقدمة عالمياً، وهي منارات علمية وتراثية تلعب دوراً محورياً في زيادة الانتماء والولاء للوطن والقيادة الرشيدة، لأنها تسهم في تنوير عقول الشباب بالعلم والتاريخ والحضارة والتراث، الأمر الذي يعلي من قضية المواطنة لدى هؤلاء الشباب ويؤدي لإذابة أية اختلافات فكرية بينهم نتيجة استنارة العقول بالعلم والحكمة والمعرفة.
يضاف لذلك وجود أبرز المعالم الصناعية سواء حقول النفط، أو مصنع «ألبا» للألمنيوم، وكلاهما يمثل ركناً أساسياً في الاقتصاد البحريني، ناهيك عن المعالم السياحية، مثل محمية العرين، وجنة دلمون، وجزر حوار، ودرة البحرين، وبلاج الجزائر، ونادي بابكو، وسباقات الفورمولا «1»، ومعرض الطيران الدولي والذي شهد توقيع صفقات بلغت قيمتها 9 مليارات دولار، ومشاركة 139 شركة و34 دولة، بالإضافة إلى تدشين مشروع شجرة الحياة السياحي بالجنوبية، تلك الشجرة التي تتمركز وسط الصحراء، مخضرة الأوراق، ونادي الفروسية، وفعاليات كل جمعة من السباقات على الخيول، وإقامة سوق البسطة، الذي أصبح معلماً إقليمياً يحوي الفعاليات الاجتماعية والثقافية والتراثية المصاحبة، وكلها معالم تسهم في التسويق السياحي للجنوبية، بل وللبحرين كاملة، وإضفاء أجواء المتعة للعوائل، مما يقلل من ضغوط العمل والدراسة، وتعبر عن روح التسامح والإخاء التي تميز أهل البحرين، وتقدم رسالة واضحة للعالم أن أهل البحرين في رباط ومحبة وألفة وإخاء مهما سعت القوى الخارجية الطامعة إلى الوقيعة بينهم.
إن هذه المعالم التي تحتويها «الجنوبية» تعبر عن سياسة عادلة من الحكومة لا تفرق بين محافظة وأخرى، سياسة تستهدف نهضة شاملة لكل المحافظات بحيث تخطو جميعها للأمام بالتوازي دون تباين. كما أن إنشاء هذه المرافق الحيوية في الجنوبية قد حال دون التكدس في العاصمة، فوجود الجامعات والهيئات والمرافق الكبرى بها قد ساعد أيضاً في الإسهام في قضايا الإسكان والمرور وتوفير فرص عمل إضافية للشباب. وهو ما سعت إليه دول كثيرة الآن في العالم والتي بدأت تخرج بعيداً عن العواصم لتؤسس جامعات ومدناً سكنية لأنها تؤمن أن المستقبل لهذه المدن الجديدة.
إن هذه السياسة الحكيمة قد أوجدت نوعاً من التقارب بين عموم المواطنين في المستويات الثقافية والاقتصادية والحضارية، وبالتالي يرتفع معدل التفاهم بين أبناء الوطن، بجانب أنه يزيد الانتماء والمواطنة لأنه يزيد من رضا المواطن عن المكان الذي يسكن فيه، ولا يتطلع للانتقال لمكان آخر تتوافر فيه المرافق التي يحتاجها، ومن هنا أصبحت «الجنوبية» منطقة جذب سكاني لتوافر كل المرافق والخدمات التي يحتاجها المواطن. بجانب أنها باتت وجهة مهمة للضيوف من كبرى دول العالم، لوجود هذه الفعاليات العالمية على أراضيها نتيجة ما تتمتع به، شأنها شأن كل البحرين، من أمن وأمان وبنية تحتية متميزة أهلتها لتنظيم الفعاليات الدولية وساعدها على ذلك المكانة الدولية التي تتمتع بها البحرين، نتيجة سياستها الهادئة والمسالمة مع كل دول العالم.
* أستاذ الإعلام المساعد - جامعة البحرين