دعوة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الخطباء في موسم عاشوراء «إلى الالتزام بالطرح الهادف والبناء والمسؤول والابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة الفتن أو تسييس الشعائر الحسينية وتجييرها لصالح أجندات حزبية أو فئوية» دعوة مهمة وتعبر عن حرص المجلس على أن يستمر موسم عاشوراء حيوياً كما هو دائماً ومعبراً عن «هوية شعب البحرين المسالم والمتعايش بسلام» وأن يواصل «دوره التاريخي المهم في تعزيز الوحدة بين المسلمين وتقوية الروابط الاجتماعية وترسيخ ثقافة العيش المشترك» كما جاء في البيان الذي صدر إثر انتهاء الاجتماع الاعتيادي الذي عقد برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة وأكد «ضرورة استشعار المسؤولية الدينية والوطنية والاجتماعية بتجنيب الشعائر الدينية من كل ما ينتهك قدسيتها أو يمس الثوابت الدينية والوطنية» وشدد على «ضرورة احترام الأنظمة والقوانين والأعراف بما يحفظ للشعائر مكانتها ويوفر لها البيئة الآمنة».
المدقق في بيان المجلس الأعلى لا بد أن يلاحظ أنه موجه إلى الجميع وليس إلى فئة دون أخرى، ما يعني أن مسؤولية إبعاد موسم عاشوراء عما يجرحه والمساهمة في إنجاحه مسؤولية الجميع وإن خص الخطباء الذين يعتلون المنابر الحسينية، ذلك أن بإمكان الخطباء أن يمنعوا -من خلال تركيزهم على مصاب آل البيت الكرام- كل سلوك خارج وكل فعل يمكن أن يؤثر سلباً على الموسم.
ليس مطلوباً من الخطباء أكثر من الكلمة العاقلة الرزينة التي تجمع ولا تشتت وتؤثر في المتلقي فيتحول إلى أداة معينة على إنجاح الموسم والإسهام في وحدة الكلمة والصف والذي تحتاج إليه البلاد اليوم كثيراً.
في المواسم السابقة حدث أن تطرف بعض الخطباء واستغلوا المناسبة استغلالاً خاطئاً، وفيها أيضاً تطرف بعض المشاركين وحاولوا أن يجيروا المناسبة لصالح أهداف حزبية ضيقة وخلطوا بين أمور كثيرة. مثل هذا الأمر ينبغي ألا يحدث خصوصاً في هذا الموسم الذي ربما هو أكثر حساسية بسبب تطور الأحداث في المنطقة وفي الداخل أيضاً والذي «سن البعض له أسنانه» مبكراً فأصدر قبل أن يبدأ بأيام البيانات المتطرفة التي تدعو إلى حرف المناسبة عن مسارها الطبيعي والاستفادة منها في تحقيق أمور لا علاقة لها بموسم عاشوراء ويستوعبها العام بأكمله.
الجميع يحب الحسين، والجميع يتألم لمصاب آل البيت عليهم السلام، وموسم عاشوراء لا يخص فئة دون غيرها ويحظى باحترام الجميع، لذا ينبغي النأي به تماماً عن كل ما قد يزيد من الشرخ الحاصل وعدم السماح لأي كان باستغلاله لخدمة أغراض ضيقة والتسبب في حرمان من ينتظرونه في كل عام من الوفاء بالتزاماتهم والتعبير عن حبهم للإمام.
كان الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله واحداً من الخطباء الذين أثروا المنبر الحسيني ووفر مثالاً على أهمية ألا يخرج خطيب هذا المنبر عن مساره ودوره فلم يسجل عليه أنه استغله للتحريض أو للإساءة إلى جهة أو فرد. من أقواله الشهيرة «يجب أن يكون حبنا للحسين تقديراً لمواقفه لأن الحسين حالة ثورية وجدانية تجدها في المسيحي والبوذي والهندوسي، تشعر بها في روح غاندي ونظرات جيفارا.. الحسين يريدك أن تعيش مع الفقراء ومشاعرهم وأن تطعم الجياع خبزاً وكرامة وأن تعلم الناس أن الإنسانية فوق كل دين».
مثل هذه الأقوال والتوجيهات والمعلومات هي ما يحتاج إليه المتلقي الذي جاء لينهل من مدرسة الإمام الحسين عليه السلام، ومثل هذا المستوى من النضج والعطاء هو ما ينبغي أن يتميز به خطباء المنبر الحسيني الذين عليهم أيضاً ألا يخاطبوا فئة دون أخرى وأن يعملوا على ما يجعل الآخر -أياً كان ذلك الآخر- يحرص على الاستماع إليهم، فمعرفة الناس للجوانب المضيئة في ثورة الإمام الحسين هي الغاية.