هل تذكرون ليندي إنجلاند المجندة الأمريكية التي ظهرت في الصور وهي تتلذذ بتعذيب العراقيين في سجن أبوغريب؟ جريمتها لا تقل فظاعة عن أي جريمة تقع تحت بند «الإرهاب»، وكونها مجندة في الجيش الأمريكي فإن الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحالة ووفقاً للمبدأ الذي أقره قانون الجاستا ستعد دولةً مسؤولة مسؤولية تامة عما ارتكبته ليندي إنجلاند، وستعتبر في هذه الحالة الولايات المتحدة الأمريكية دولة راعية للإجرام، وذلك استناداً على اعتراف ليندي وإقرارها بجريمتها!!
صحيح أن القضاء العسكري الأمريكي حكم عليها بالسجن ثلاث سنوات إلا أنه أطلق سراحها قبل اكتمال المدة بحجة أنها حامل!! إنما ذلك لن يعفيها أو يعفي دولتها من القصاص في حال أقر مثل هذا القانون في دول أخرى، سابقاً كانت الدول لا تملك أن تقاضي دولاً على ما ارتكبه أفراد تابعون لها، فللدول حصانة إنما الآن فقد فتح المجال.
ليندي إنجلاند واحدة من مئات إن لم يكن آلاف من الجنود الأمريكيين الذين ممكن أن تلاحقهم قوانين الجاستا غير الأمريكية الآن فلا تدينهم وحدهم بل تدين دولتهم، وليس بالضرورة أن تكون العقوبة في القوانين المحلية محصورة بمصادرة الأموال الأمريكية أو تجميد لأصولها، فالعقوبات ستكون خيارات مفتوحة حسب القانون المحلي الذي ستقره كل دولة على حدة، ومادام مبدأ سيادة الدولة وحصانتها قد تم خرقه بقانون أمريكي فإن خرق هذا المبدأ أصبح ممكناً في الدول الأخرى للمعاملة بالمثل، والباب مفتوح الآن لكل السلطات التشريعية -بما فيها البحرين- وفي جميع أنحاء العالم كي تقر «جاستاها» الخاص.
ومما يسهل العلمية فإن كثيراً من الجرائم أقرت الولايات المتحدة كدولة بارتكابها بشكل رسمي من خلال لجان تحقيق الكونغرس والإقرار منشور فيسهل توظيفه واستغلاله.
تلك الجرائم لا تقل عن أي جرائم إرهابية في فظاعتها فذهبت بأرواح ويتمت أطفالاً وآلمت أسراً، وعوائل كثيرة مازالت تدفع ثمن تلك المعاناة.
ففي الفلبين على سبيل المثال أقرت لجنة التحقيق بالكونغرس أن الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت جرائم الحرب العسكرية في الفلبين راح ضحيتها ما يقرب من 1 مليون و500 ألف مدني.
فإن عدنا للحرب العالمية الثانية على سبيل المثال فإن الحلفاء ودول المحور استخدموا القصف الجوي على المدن والمدنيين طريقة للانتصار في الحرب. مما خلف حوالي 2.5 مليون قتيل مدني قتلوا تحت القصف الجوي الأمريكي والبريطاني، مثال ذلك قصف مدينة دريسدن الذي خلف 25 ألف قتيل، وبرلين الذي خلف 800 ألف قتيل بألمانيا، ولا حاجة للتذكير بأن قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي باليابان كان بالقنبلتين النوويتين.
أما في فيتنام، وما أدراك ما فيتنام، فقد بلغت جرائم الحرب الموثقة لدى البنتاغون 360 حادثة. ليس من ضمنها مجزرة ماي-لاي، والتي راح ضحيتها 347-504 مدنيين في فيتنام الجنوبية، أغلبهم نساء وأطفال في 16 مارس 1968. ومن ضمن جرائم الحرب الأمريكية في فيتنام استخدام الرش الكيماوي لتدمير وحرق وإتلاف البشر والحقول والقرى، مثل الرش البرتقالي والأزرق والأخضر.
مثال ذلك عملية رانش-هاند التي وقعت سنة 1962 واستمر تأثيرها حتى 1971. وكانت فيتنام قد ادعت سنة 1995 أن عدد القتلى في الحرب بلغ 5 ملايين، 4 ملايين منهم مدنيون عزّل. في حين كان وزير الدفاع حينها ماكنامارا قال في لقاء متلفز لاحقاً إن عدد القتلى 3 ملايين و400 ألف.
وصولاً لحربهم على الإرهاب حيث ظهرت العديد من جرائم الحرب على يد القوات الأمريكية في حق المدنيين في العراق وباكستان وأفغانستان واليمن والصومال، في صور قصف جوي ضد مدنيين عزّل أو اغتصاب النساء والرجال أو قتل أسرى حرب أو تعذيبهم وانتهاك آدميتهم أو إبادة جماعية أو استخدام أسلحة محرمة دولياً، إذ قدرت بعض الجهات أن عدد قتلى العراق على سبيل المثال بلغ 2 مليون مدني منذ بداية الحرب في 2003 «مصادر متعددة».
لقد نزعت الولايات المتحدة الأمريكية الحصانة عن نفسها دون أن تعلم فلتستعد لمحاسبة التاريخ لها.