إذا أردنا معرفة حقيقة أمر ما، فلنتخبره عند الأزمات والشدائد وليس في الأوقات الناعمة، فحين نريد - على سبيل المثال - أن نعرف قوة شبكة صرف مياه الأمطار فعلينا اختبار قوتها وتحملها عند سقوط الأمطار الغزيرة، وحين نريد قياس قوة الأنظمة المرورية وصياغة وهندسة شوارعنا علينا أن نقوم بهذا القياس في أوقات الذروة، وبهذا نستطيع اكتشاف الخلل الواقع في الأمر المراد اختباره من أجل تفاديه ومعالجته.كلنا لاحظ وبشكل واضح مدى قوة الاختناقات المرورية الشرسة في شوارع البحرين خلال الأسبوعين الماضيين، حتى أن البعض كان يتساءل عن سبب هذا التحول المفاجىء في الشوارع، لكن حين نعرف السبب يبطل العجب. قبل أسبوعين لم يبدأ العام الدراسي الجديد، فكانت الشوارع - خصوصاً وقت الذروة - شبه عادية الحركة، لكن مع بدء «اشتغال المدارس» حدث انقلاب واضح في شوارع البحرين، وهذا ما كنا نعنيه في بداية حديثنا عندما أشرنا إلى أن الاختبار الحقيقي لنجاح نظام ما هو «وقت الذروة»، فتحولت كل شوارعنا إلى مقبرة للسيارات التي لا تستطيع الحركة.كان الوقت هو ظهر يوم الخميس الماضي، حين كنت في طريقي إلى مجمع السيف التجاري، وحين وصلت إلى الإشارة القريبة من المجمع والتي لا تبعد عن مواقف المجمع أكثر من 30 ثانية، احتجت لدخول المجمع لأكثر من 40 دقيقة. هذا الأمر الذي أدهش الجميع وقتها وأزعجهم في ذات الوقت حتى تناوله الناس في مواقع التواصل الاجتماعي بكل قوة حينها، لم يحرك شعرة واحدة عند الإدارة العامة للمرور، ولم تتفضل بإرسال دورة أو حتى رجل مرور واحد لاستطلاع المشكلة وكأن هذا الأمر لا يعنيها على الإطلاق. بعد معركة الدخول إلى المجمع ومكوثي فيه لأكثر من ساعة ونصف الساعة، توقعت عند الخروج أن أزمة الاختناق المروري خارج المجمع قد تمت معالجتها من طرف المرور، وإذا بي أقع في ذات الورطة التي وقع فيها كل المواطنين والمقيمين عند دخولهم المجمع!هذا الاستهتار بقيم الأنظمة المرورية وعدم تطوير الشوارع وتسهيل حركة السير فيها والتلاعب بأوقات الناس التي تضيع سدى في شوارع مزدحمة، كلها أمور تكشف مدى الخلل الكبير الذي تقع فيه الجهات المختصة بتنظيم الشوارع وحركة المرور في البحرين، حيث إننا وجدنا خلال الآونة الأخيرة اختفاء رجال المرور من غالبية شوارع المملكة، وأصبحوا يتكدسون في الشوارع العامة فقط، دون أن يسجلوا لهم أي حضورٍ في المناطق والشوارع المزدحمة، كالمنامة والمحرق والرفاع وشارع البديع والجفير ومناطق المجمعات التجارية وغيرها من المدن التي تشهد انفجاراً مرورياً مروِّعاً.بعيداً عن الإنجازات وضبط عملية الحركة المرورية العامة في البحرين والتي تعتبر من أفضل الأنظمة على مستوى العالم، يجب في المقابل أن تكتمل هذه الصورة بتسهيل حركة سير المركبات بشكل سلسل، وهذا يتطلب من الإدارة العامة للمرور أن تسجل وجودها القوي في الشوارع المزدحمة لأجل معالجة الاختناقات المرورية أو بتثبيت أنظمة ذكية تعالج هذا المشكل، وألا يقتصر وجودها في الشوارع العامة التي لا تحتاج أصلاً لهذا الكم الهائل من رجالات المرور، لأن الكاميرات المرورية هناك تتكفل بكل شيء، فالأزمة ليست في شوارعنا العامة بالدرجة الأولى وإنما عند شوارع ومداخل ومخارج مجمعاتنا التجارية وفي مناطقنا السياحية والاستثمارية وفي بقية المدن المكتظة بالسكان، فهل هناك أوضح من هذا «المسج»؟