الجرائم الأمريكية ضد الإنسانية هي الملف «الأسود» الأكبر في العالم، سواء باختلاف الأزمنة والعقود.
بالتالي على هذا الأساس يجب أن تعمل دول العالم التي تحاول أمريكا اليوم استهدافها عبر قانون «جاستا»، وبدأت بالسعودية متذرعة بالعمليات الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001.
إن كان مسوغ أي بلد أنه تعرض للإرهاب، ليسن تشريعاً يجيز لأفراده أن يقاضوا دولاً أخرى، فإن هذه الدول الأخرى لها من المسوغات والمبررات أكثر وأكبر مما تملكه الولايات المتحدة.
كل دول العالم ضربها الإرهاب، كل دول العالم تضررت شعوبها وعانت من أحداث مؤسفة، وأمريكا واحدة من ضمن عشرات الدول التي عانت من هكذا مآسٍ، فلماذا تمنح أمريكا نفسها «حظوة» على الجميع، فقط لأنها تعرضت لعملية إرهابية؟!
أضيف وأقول، ما الذي يجعل أمريكا أصلاً مميزة عن الشعوب الأخرى التي مات فيها أضعاف مضاعفة عن ضحايا الحادي عشر من سبتمبر؟! ما الذي يجعلها تضع على رأسها «ريشة» تميزها عن الآخرين الذين ذهب منهم ضحايا وكان لأمريكا يد فيها؟!
التعاطف الدولي الذي حظيت به أمريكا بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، كان بسبب رفض المزاج العام للشعوب حول العالم لفكرة الإرهاب، ولأن يتضرر مدنيون أبرياء، وهو تعاطف بديهي تفرضه النفس البشرية، شهدنا نماذج مشابهة له اقترنت بأحداث إرهابية عديدة آخرها ما حصل في فرنسا.
لكن المشكلة أن أمريكا بسياستها وبقرارات البيت الأبيض تارة وبمواقف وقوانين الكونغرس تارة أخرى بدأت تفقد هذا التعاطف الدولي وبقوة.
لا يعقل أن نستمر ونحن ندخل قرابة العقدين على اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، لا يعقل أن نستمر وكأن العالم كله «مدين» لأمريكا بـ«التعاطف الأبدي»، لا يعقل وأن تستخدم هذه الكارثة الإنسانية على أنها «شماعة» من خلالها تجبر العالم على الإذعان لمطالبها ومساعيها، وكأنها كما «الطفل» الذي «يتدلع» عليك، يريد يوماً هذه اللعبة ويرميها في يوم آخر، ليذهب لغيرها.
أمريكا إن كانت تريد محاسبة الإرهاب، عليها أولاً أن تحاسب نفسها، أن تحاكم سياستها الخارجية، أن تعترف بشجاعة بكونها السبب الذي «صنع» بؤر الإرهاب، وبأنها السبب الذي «فرخ» تنظيمات راديكالية إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش».
بل قبل أن تحاكم غيرها على عمليات إرهابية ارتكبتها تنظيمات لا تمت للأنظمة السياسية الشرعية بصلة، عليها أولاً أن تقبل بأن يحاكمها العالم على الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها باسم نظامها الأمريكي الحاكم.
أولاً، يأتي الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليون الذين أبادهم النظام الأمريكي في مجازر تصفية عرقية مكتوبة بالتفصيل في التاريخ الأمريكي، ومن بعدهم يأتي اليابانيون الذين ضربت بلادهم بالقنابل الذرية الأمريكية وراح ضحيتها مئات الآلاف، وبعدهم الفيتناميون الذين تحولوا لمحاربين بسبب التعدي الأمريكي على أرضهم، وأضيفوا عليهم العراقيين الذي تحولت بلادهم لـ«خرابة» وقطعة جغرافية ممزقة تأكلها إيران، وطبعاً لا تنسوا عمليات التعذيب الممنهجة في «غوانتنامو» وفي سجون «أبوغريب».
كل هذه الجرائم بحق الإنسانية ارتكبتها أمريكا بصفتها الأصلية ومن خلال نظامها الحاكم، وصدرت الأوامر من «البيت الأبيض»، وصدق على هذه السياسات «كونغرس تلاميذ الابتدائي» بنفسه، بالتالي إن كان من باب أولى محاربة الإرهابيين والداعمين للفوضى سواء الخلاقة أو غيرها، فإن الأمريكان كنظام يجب أن يوضعوا على أول قائمة المحاكمة.
إن كانت أمريكا تريد إنقاذ وضعها المالي والاقتصادي المتدهور عبر سلب مليارات الدول من خلال تشغيل أسطوانة «النواح» بشأن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أو عبر تشريع قوانين «غبية» وفيها من «البلطجة السياسية» ما فيها، فإن من باب أولى أن يبدأ العالم والدول التي تضررت هي وشعوبها من السياسة الأمريكية أن يبدؤوا هم أولاً بمحاسبة النظام الأمريكي ومطالبته بدفع تعويضات بتريليونات الدولارات.
قمة المهزلة أن تسعى الدولة التي بسبب جرائمها في «غوانتنامو» و«أبوغريب» و«هيروشيما وناجازاكي» اقشعرت أبدان العالم، المهزلة أن تسعى هي لمحاسبة الآخرين بتهمة «الإرهاب».
صناعة الإرهاب بدايتها في «البيت الأبيض» قبل أي مكان آخر.