نحتفل هذه الأيام بالذكري الثالثة والأربعين لنصر أكتوبر المجيد، حيث نشعر بالفخر والاعتزاز بذلك الحدث المهم في التاريخ المصري والعربي، وتشاركنا كثير من الشعوب العربية ذلك الشعور. وقد نشرت عدة صحف بحرينية مقالات لكتاب مخضرمين عاشوا مجد العروبة والفكر القومي. ولا يسع المقام لذكر كثير من الأسماء، ولكنني اكتفي بالإشارة لكاتب مخضرم وإعلامي بحريني سابق، هو محيي الدين بهلول، الذي لا تفوته واقعة أو حدث أو تاريخ يرتبط بالعروبة والرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلا وينشر مقالا عنه.
لقد نقل نصر اكتوبر مصر والعرب نقلة نوعية في احساسهم بذاتهم وقدراتهم، كما بعث برسائل مهمة لإسرائيل، التي روجت أن جيشها لا يقهر، فذاقت مرارة الهزيمة، وكان يمكن ان تكون ساحقة لولا الطيران الامريكي الذي نقل إليها أحدث المعدات والدبابات، أثناء المعركة، نتيجة استغاثة جولدا مائير رئيسة الوزراء آنذاك ووزير دفاعها موشي دايان فلم يتوقعوا عبور مصر لقناة السويس وخط بارليف.
وقد أكد الجيش المصري البطل ومعه الجيش السوري بان القوة العربية لم تنهار، وإن الروح المعنوية تم استردادها رغم كل التحديات والعقبات. وقد بلغ التضامن العربي في حرب أكتوبر أشده في مساندة مصر وسوريا، وظهر التضامن في موقف العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز ال سعود، باستخدام سلاح البترول في المعركة، ورفض تصديره للدول المساندة لإسرائيل في اوربا وأمريكا واسيا، وهو ما أبرز ان العرب أصبحوا القوة السادسة في العالم. كما أثبت نصر أكتوبر أنه بداية الطريق نحو استراتيجية السلام، فأطلق الرئيس الراحل انور السادات مبادرته عام 1977 بزيارة القدس والتحدث في الكنيست الإسرائيلي وقد كان استراتيجياً بارعاً وذو حنكة ورؤية سياسية مستقبلية. وأثار موقف الملك فيصل الولايات المتحدة وهنري كيسنجر بوجه خاص الذي أشار لتهديدهم للخليج لو استخدم النفط كسلاح مرة ثانية.
لقد لفت قرار الرئيس السادات بزيارة القدس انظار العالم، ولم يستطع احد التنبؤ بما ستؤول إليه الامور باتفاقيات كامب ديفيد، ثم معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية عام 1978، بعد مبادرة من السادات عام 1977 في خطابه في مجلس الشعب المصري، ثم اعقب ذلك التحول الاستراتيجي نحو السلام باتفاقيات اوسلو، ووادي عربة، بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين اسرائيل والأردن. ولكن اتفاقية أوسلو لم تحقق السلام المنشود بسبب الصراع الفلسطيني الداخلي، ومحدودية الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية، والتعنت الاسرائيلي، ثم اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحاق رابين الذي أبدى مرونة للتوصل لاتفاق مع الفلسطينيين. ثم جاءت مبادرة القمة العربية في بيروت عام 2002 لتؤكد مبدأ الارض مقابل السلام وبناء الفلسطينيين لدولتهم الوطنية.
ونطرح بعض الافكار في هذه المناسبة: الاولى، أهمية الاستعداد العسكري الجاد والتدريب والتكتيك والتخطيط الصحيح للمعركة، والذي أعاد سيناء للحضن المصري، وللأسف حولها بعض المصريين إلي أرض للإرهاب منذ عام 2012. والثانية، أهمية التضامن العربي الشامل لتحرير الاراضي العربية المحتلة ولدعم نضال الشعب الفلسطيني، وهو ما لم يقصر فيه العرب ولكن المتغيرات الدولية والإقليمية فرضت مستجدات جديدة أحدثت أثارا بالغة السوء بتدمير العالم العربي باسم الديمقراطية وحقوق الانسان ومقاومة الارهاب. والثالثة، بداية التمزق العربي بمقاطعة مصر وتجميد عضويتها في الجامعة العربية، ونقل مقرها لتونس، ورغم ذلك ظلت مصر وفية لأشقائها العرب، وتجلى ذلك في مساندة العراق في حربه ضد إيران، ومساندة الكويت إثر العدوان العراقي عليها، وأيضا في مساندة القضية الفلسطينية، وفتح أراضيها لياسر عرفات، وحمايته في انتقاله من بيروت إلى القاهرة إثر غزو إسرائيل للبنان عام 1982. والرابعة، ان احتفال القوات المسلحة والشعب لمصري بأسره ما عدا غير المؤمنين بوطنهم والعاملين لمصلحة قوى خارجية هو ضرورة قومية.
وهذا الاحتفال يحمل رسالتين واضحتين، الاولى، الدور الحيوي للقوات المسلحة المصرية في الدفاع عن التراب الوطني والأمن القومي العربي. والثانية، إن التلاحم بين الشعب المصري وجيشه البطل هو تلاحم وثيق، وإن العقيدة القتالية للجيش المصري هي الدفاع عن الوطن وحماية الشعب.
وختاما، أود تأكيد ثلاث حقائق في هذه المناسبة، الاولى، إن الخوف والحرص كما يقول المثل أذل أعناق الرجال. ومن هنا فان الخوف العربي إزاء الهجمة الارهابية الشرسة، وإزاء التآمر ضد العرب، هو الذي حول المنطقة لأرض مباحة للقوى الدولية والإقليمية. والثانية، انه لا مفر من التضامن العربي بقيادة مصر والسعودية كأكبر قوتين في المنطقة اقتصاديا وعسكريا ولديهما حس قومي وإستراتيجية واضحة، ودعم عربي وخليجي مهم، وخاصة من البحرين بقيادة مليكها حمد بن عيسي آل خليفة، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، والأردن. والثالثة، إنه ما لم يتحقق التضامن العربي رغم كل ما لدى العرب من قوة وإمكانيات وموارد طبيعية وبشرية وعلمية فان مصير العرب سيكون في يد أعدائهم.
* خبير في الدراسات الاستراتيجية الدولية
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}