«الأم مدرسةٌ إذا أعددتها.. أعددت شعباً طيب الأعراق»، بيت شعر نردده من قديم الزمان، للشاعر القدير حافظ إبراهيم، ومن الأهمية هنا أن ندرك أن «الأم» هي ميزان كل أمر جميل ومتقن في الوجود، لذا فلا أعتقد أنه يمكننا أن نستنكر أن هذه الأم هي نفسها صاحبة اليد السحرية، والقادرة على هز السرير بيمينها على ألا تهز العالم بيسارها، كما قال نابليون بونابرت.
فـ»الأم» التي تكلم عنها «نابليون»، لم تكن وقتها متمرسة في عالم التكنولوجيا والعلم والمعرفة، ولم تكن منفتحة على ثقافات العالم المتعددة، ولم تكن تفرق ما بين الماركات العالمية والتقليد. و»الأم» التي ذكرها حافظ إبراهيم، لم تكن خريجة الجامعات الدولية أو المحلية، ولم تكن لتعي ماذا نعني بالهواتف الذكية، ولم تكن تنسى نفسها في الأسواق الباريسية، ولا تشرب القهوة بالقشطة الإيطالية.
لكنها «الأم» التي ولدت بالفطرة والتي كانت قادرة على أن تستوعب كل من حولها وتكون منبع الرأفة وشعاراً جوهرياً للإنسانية.
لذا لم أستنكر أبداً ما حدث من ثورة وامتعاض ممن سمع المداخلة الإذاعية في تلك الصباحية حين طاوع لسان «أم» في أن تكسر بكلماتها كل معالم الإنسانية، لرفضها أن يتشارك الأطفال ذوو الإعاقة مع الأطفال الأسوياء، في المدارس الحكومية!! معللة ذلك بأن هؤلاء الأطفال سوف يسببون ذعراً وخوفاً في النفوس لباقي التلاميذ، إلى أن سرحت بفكري، وتساءلت: أهي تتكلم عن أطفال ملائكية أم وحوش بشرية؟!
ويأتي السؤال الذي يطرح نفسه: هل العتب على السيدة أم على ما هو سائد من ثقافة بلهاء غبية!! ثقافة لا تعرف معنى الإنسانية!! ثقافة من يعتقد أنه يجاري الماركات العالمية تدفعه ليعتقد، أن الإعاقة -والتي كانت بمشيئة ربانية- سبب لخلق فروقات بين البشرية.
لذا فليس العتب فقط على السيدة، ومن يجاريها بالأفكار السلبية النمطية، وإنما العتب على الأجهزة المعنية، في عدم أخذ خطوة فعلية، عملية وإيجابية بنشر الوعي الحقيقي، وراء ما يمكن أن يقوم به ذوو الإعاقة، من إنجازات جمة مماثلة لأقرانهم في الدول المتقدمة، وليس فقط تناول صورٍ ورسم ابتسامات مزيفة لنشرها في برامج التواصل الاجتماعي، لرفع رصيد من يخطط لأهدافه الشخصية.
أبناؤنا من ذوي الإعاقة في أمسّ الحاجة إلى تكاتف الجهود من أجل تقليل العبء النفسي على الأهالي من جهة والعبء الاجتماعي والأكاديمي والمهني على أبنائنا من جهة أخرى.
وصدق الشاعر المتنبي حين قال:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً
وآفتهُ منَ الفهمِ السقيمِ
ولكنْ تأخذُ الآذانُ منهُ
على قدْرِ القرائحِ والعلومِ