إن من أبرز الأسلحة التي يمكن استخدامها في الحرب الكونية الباردة هي الأسلحة المعنوية التي تشكل وعي البشر وتبث الرعب في قلب الخصوم بينما لا أساس لها على أرض الواقع. هذه الحرب النفسية لها أكبر الأثر في تشكيل وعي الشعوب والمجتمعات الإنسانية كما لها تأثيراتها الكبيرة على صعيد اتخاذ وبناء منظومة القرارات الدولية وفقها، وهذا التوصيف الذي ذكرناه الآن هو ما تمر به منطقتنا على وجه التحديد.
نحن لا ننكر وجود مجموعة من المؤشرات حول تفاقم الأزمات السياسية والعسكرية بين الدول الكبرى وحتى الصغرى منها في منطقة الشرق الأوسط، بل هناك بعض الاحتياطات العسكرية تقوم بها هذه الدولة أو تلك لحماية مستقبلها وهيبتها والوقوف بشكل واضح مع حلفائها، لكن كل هذا لا يعني أن هناك حرباً عالمية قادمة بعد أيام، لأننا نؤكد هنا أن كل ما يجري من تضخيم لموازين القوى السياسية والعسكرية هو نوع من أنواع الحرب الباردة، وإن كانت على مستوى التحليلات تأخذ مستوى آخر، قد يدنو من مستوى الحرب الفعلية.
كلنا يعرف حقيقة الحرب الباردة أو واقعية الحرب المعنوية، ومدى أثرها الواضح على سير المعركة، بل يمكن أن تكون الحرب الباردة أكثر خطورة من الحرب العسكرية، لأنها تأخذ صفة الحقيقة وهي ليست كذلك، كما أن لها الأثر الكبير في تحييد بعض أوجه الصراع القائم ولِمَا لها من دور أخاذ في تشكيل وعي الشعوب التي تجري على أراضيها هذه المعركة الوهمية. إن كل ما يتداوله الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحتى عبر بعض نشرات الأخبار له دلالاته الواضحة على أن الحرب الباردة تسير في مسارها الصحيح والمرسوم، فالأساطيل والبارجات والأسلحة النووية وغيرها من وسائل الحرب العسكرية كلها موجودة في أجهزتنا الذكية وفي الرسائل التي تصلنا كل لحظة من مصادر غير معروفة أو مشبوهة، بل هناك من الأخبار الشرسة التي كوَّنت لدى الجمهور يقينيات لا تتفتت حول قرب قيام الحرب العالمية الثالثة بين أمريكا وحلفائها من جهة وبين روسيا والصين وحلفائهما من جهة أخرى، إن لم نقل إن هذه «البرودكاستات» أوصلتنا أن قيام الساعة ربما سيكون غداً أو بعد غد، وهذا يدلل على قوة وصلابة هذه الحرب وكيفية عملها وقوة سطوتها خصوصاً على مسار الأحداث والأفكار في عالمنا اليوم.
نحن لا نقلل من حجم التوترات الحاصلة بين أقطاب الصراع في العالم، كما أننا لا ننفي تماماً ما يجري حولنا من تشنجات وصراعات واقعية، لكن ما لا يمكن موافقته وتقبله في هذا الجو المشحون بالتضليل هو أن هذه الأخبار المكثفة باتت حجر أساس في حرف الحقائق وتضخيم الأوهام وتشكيل جبهات صراع تتعلق بالمال والأمن وبيع السلاح وتسهيل أو تعقيد تدفق النفط والغاز لجهات تتصارع على أراضينا لنتقبل فكرتهم في رسائل نصية مخترعة.