لا يمكننا النظر إلى الأمن الكلي لدول مجلس التعاون دون إدراك حقيقة مهمة وهي أن أمن مملكة البحرين يمثل المحور الرئيس لهذا الأمن من عدة اعتبارات استراتيجية، سواء أخذنا الأمر بمنظوره المطلق أو بمنظوره التمثيلي لما عليه واقع الحال بالنسبة لكل دولة من الشقيقات الست، أو للمجلس ككل.
فالبحرين، حماها الله، مثلت ولاتزال النموذج العملي لقدرة عرب الخليج على إفشال مخططات التوسع الصفوية الإيرانية التي لا تريد بنا خيراً، وأنا هنا لا أتحدث فقط عن جزئية مكافحة الإرهاب الممول والمغذى من إيران في السنوات الأخيرة، وإنما عن كل المشروع البحريني بدءاً من إنجاز الاستقلال فالتحول الديمقراطي والنهضة الاقتصادية دون إعارة أدنى اهتمام للغول الإيراني الفاغر فاه متوهماً أنه يخيف أحداً في البحرين أو في الخليج عموماً!
ولقد أثبتت وحدة الصف الوطني في البحرين، والتفاف أهلها خلف قيادتهم الخليفية المباركة، وفي مقدمتهم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله، أن دولة صغيرة في المقاييس الجغرافية تستطيع أن تعكس الآية وتكون هي من يغرز الشوكة في جنب الغول المزعج، بتحضرها ونموها وسلوكها المتمدن وديمقراطيتها البناءة وقضائها النزيه العادل، رغم أنف كل من يدعي غير ذلك.
لذلك عندما ننظر نحن، كعرب خليجيين، إلى أمن البحرين من هذا المنظور تصبح رؤيتنا أشمل وأعمق باعتبارنا نتحدث عن تحديات وجودية تستهدفنا جميعا، وإذا كان الطامعون يتوهمون أن البحرين هي الحلقة الأضعف في المنظومة الخليجية، فقد أثبتت المملكة الخليفية وشعبها الوفي وأشقاؤها في الخليج أنها حجر الارتكاز الرئيسي لهذه المنظومة، لاعتبارات الاستراتيجية والجغرافيا السياسية والترابط الأمني، وليس فقط للعواطف والمشاعر الأخوية الجياشة.
فالموقع المتوسط، والمتقدم، للبحرين يجعلها مساحة التصدي الأولى جغرافيا لطموحات الغول المتوهم، كما إن سياستها الرادعة بحزم وشدة لمخططات الغول وأعوانه تجعلها أكثر قدرة على بناء تحالفات دولية مزعجة لذلك الغول وبمساحة حركة أكثر من بقية الشقيقات الخليجيات، التي قد لا تكون مضطرة للمواجهة العلنية المباشرة في هذه المرحلة الزمنية.
ونضيف لهذا واقع قدرة البحرين، مثل شقيقاتها الخليجيات لكن مع خصوصية الاستهداف، على تقديم أنموذج مزعج للغول الإيراني، من حيث مقارنة أي مواطن إيراني لظروف معيشته في بلاده «الثرية نفطياً» مع ظروف معيشة أي مواطن بحريني سواء مادياً أو ديمقراطياً، رغم أن موارد البحرين المادية لا تقارن مقارنة بالموارد النفطية والمادية لإيران، ما يشكل شوكة أخرى مزعجة في جنب الغول الطامع. ومثل هذه القدرة هي التي توضح أهمية الاستثمار في الأمن الاجتماعي والاقتصادي لمملكة البحرين، باعتباره استثماراً في الأمن الاقتصادي والسياسي للخليج ككل.
وربما يكون لنا نحن كإماراتيين خصوصية معينة في النظر لأمن البحرين، لأنه عندما أرتقى شهيدنا البطل طارق الشحي دفاعاً عن أمن البحرين الشقيقة وأمان شعبها، كان في نفس الوقت والمعنى يدافع عن أمن الإمارات وبقية دول الخليج وأمان شعوبها، وقد أدركت قيادتنا الحكيمة حين قررت المشاركة في قوات «درع الجزيرة» أن الأمن الخليجي وحدة واحدة لا تتجزأ وأن ما يمس إحدى دوله يمس كل دولة، ولذلك اعتبرنا دفاعناً عن أمن البحرين دفاعاً مشروعاً عن أمن الإمارات، تماماً مثلما نعتبر التحالف العربي في اليمن دفاعاً مشروعاً عن وجودنا واستقلالنا وخياراتنا الخليجية الحرة.
وتبقى البحرين واسطة العقد في المنظومة الخليجية، ليس فقط جغرافياً، وإنما بمشروعها الحضاري المستنير الذي أوجع الغول الظلامي وأذاقه مر العلقم. حمى الله البحرين ومليكها وقيادتها وشعبها المتوحد.