من يراقب ميليشيات إيران في العراق يجد أنها تتصرف بسلوكين مختلفين أحدهما نظري معلن، والآخر عملي غير معلن، أو معلن على نطاق ضيق، فالأول لم يعد خافياً على أحد وهو تصريحاتها النارية ضد تركيا، التي تواجدت بجيش على أبواب الموصل، استعداداً لمعركة تحريرها من تنظيم الدولة «داعش»، وكذلك تحركت تركيا دولياً وتحديداً مع أمريكا والمملكة العربية السعودية محاولة منع الميليشيات الشيعية من المشاركة في المعركة، الأمر الذي جعل قادة الميليشيات يجعجعون في كل مكان ضد تركيا، لكن في الوقت ذاته وعلى الجانب العملي هذه الميليشيات تحشد كل قواتها وترسلها إلى حلب وليس الموصل، حتى وصل بهم الحال إلى أن تعلن كل ميليشيا عن حاجتها لمتطوعين للقتال في سوريا، وبالفعل ترسل يومياً عدداً من ميليشياتها إلى سوريا مع أنهم يسحقون هناك بشكل مستمر. في واقع الأمر أن من يحرك هذه الميليشيات هي إيران المتحالفة مع روسيا الآن، كما أن سوريا مهمة جداً بالنسبة لإيران فخسارتها تعني خسارة الساحل المطل على البحر المتوسط، وخسارتها لن تحقق الربط بينها وبين «حزب الله» في لبنان، ولنتذكر قول قاسم سليماني «الطريق إلى الموصل يمر بحلب».
على صعيد آخر، أمريكا تحشد قواتها التي تمركزت بأعداد كبيرة في قواعدها في العراق، ولا أحد يعرف كم يبلغ عديد هذه القوات، فقد حرصت أمريكا على سريتها حتى أنها لا تسمح لأي عراقي مهما كانت صفته دخول هذه القواعد، ولم تسند إلى الشركات المحلية أي تعهدات لوجستية كما كانت في الأعوام 2003-2011، كما لا يعرف أحد مقدار تسليحها في هذه المعسكرات، لكن كل المؤشرات تدل على أنهم باقون في العراق والمنطقة وبقوة، خصوصاً مع بقاء روسيا في سوريا، التي لا تريد لها أمريكا أن تتجاوز إلى غيرها من دول المنطقة، ولأن أمريكا ترى في ميليشيات إيران خطر عليها، ولأن الميليشيات نفذت مصلحة أمريكا عندما استباحوا العرب السنة وهجروهم أو بالأحرى روضوهم، فباتوا في وضع يرحبون فيه بأمريكا وقواعدها، بل قد يطالبون ببقائها، وانتفت الحاجة للميليشيات وعليه لم يعد أمام أمريكا إلا التفاهم مع إيران التي تحرك هذه الميليشيات أو التخلص من الميليشيات، ولأنها لا تستطيع التخلص منها داخل العراق لأن هذه الميليشيات تعمل تحت مظلة الحكومة العراقية، التي صنعتها أمريكا، وتحرص على الحفاظ عليها، فهي تمثل تجربتها الديمقراطية ولا تريد أن تدمرها بيدها، لذا استدرجت الميليشيات إلى سوريا لتتخلص منها هناك، خصوصاً وأن أمريكا ستتخلص من «داعش» في العراق قريباً وتاريخها السابق يؤكد أنها ستتخلص من الميليشيات أيضاً، كما حدث في عام 2007 عندما تخلصت من «القاعدة» وتخلصت من الميليشيات معها.
علينا ألا ننسى أنه قبل سنة، صرحت أمريكا بأنها بدأت نقل المقر الرئيسي للفرقة المجوقلة 101 والتي تعرف باسم «النسور الصارخة» من ولاية كنتاكي الأمريكية إلى الكويت، لتقود مهمات قتالية من هناك، أطلقت عليها اسم «الحل الأصيل» وهو اسم يوحي بمشكلة غير مشكلة «داعش»، وهذه المهمات لم نشهدها بعد، كذلك لتكون هذه القوات جاهزة للوقوف بوجه روسيا، ولا ننسى أيضاً أنها قبل عام نقلت 12 طائرة «A10» المعروفة باسم «الخنزير البري»، إلى قاعدة أنجرليك في تركيا، وهي طائرات قادرة على تدمير عشرات الدبابات والعربات والآليات الأخرى وهي تتجول بحرية على ارتفاع منخفض جداً يصل لغاية 50 قدماً من الهدف، كل ذلك يؤكد أن أمريكا ستتعامل مع عش الدبابير الإيراني في سوريا كما ستتعامل مع عش دبابير «داعش».
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}