ليس هناك أكثر من «حسين بن علي بن أبي طالب» وليس هناك أكثر من «كربلاء»، فلدينا حسين واحد وكربلاء واحدة، وهذا يكفي لأن تكون مناسبة عاشوراء مناسبة «توحدنا» وعلى الحب والخير والنهضة «تجمعنا»، أما بقية التفاصيل فإنها لا تدخل في شؤون المختلفين حول تلكم التفاصيل الصغيرة، حينما يجمعنا الجوهر والمحتوى، فالحسين الذي ضحى من أجل الإصلاح والصلاح وحماية الإنسان هو العنوان الذي يصلح لكل مراحل الحياة من أجل معالجتها وصياغتها وفق مفهوم سحق الأنانية وعشق الآخرين من كل البشر.
إن عاشوراء الحسين هي الدعوة المباشرة لنكران الذات وتوجيه الأنفس للبذل والعطاء في سبيل رقي الإنسان نحو مراتب الكمال، فالحسين بن علي أكبر من الصغائر وأعظم من الأرقام الهامشية في حسابات الموتورين. الحسين هو الشخصية العابرة للأماكن والأزمنة والطوائف، فهو ملك للجميع ومتاح لكل أحرار العالم، ولا يمكن أبداً أن تكون شخصيته «قوقعة» لفئة دون سواها أو لطائفة دون أخرى، فالحسين ليس حكراً على الشيعة أو السنة أو على المسلمين باختلاف مذاهبهم وطوائفهم، فالحسين ثائر لكل البشرية ومحطم لكل أصنام العبودية، ولهذا تغزل في تضحياته كل المفكرين الأحرار من غير المسلمين فبات علماً من أعلام الفداء، ولذا سنستخف كل الدعوات التي تؤدي بنا لتحجيم الإمام الحسين وحبسه بين الطوائف، وهو الذي خرج من أجل الإنسانية لترشيد وعيها نحو المثل العليا وجرها بالحسنى نحو الحق والعدالة والحرية والحب والصلاح.
لقد أغرق جمع من المفكرين عبر العالم رؤيتهم حول شخصية الحسين البطل والحسين الثائر والحسين الإنسان في كلمات اختزلت مسيرة هذا الرجل العظيم، ربما تكفينا وتختصر كل المسافات في ترجمة مسيرته بقليل من الكلام. يقول الباحث الإنجليزي جون أشر في كتابه رحلة إلى العراق «إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي»، كما يؤكد الكاتب والمؤرخ الإنجليزي كارلس السير ديكنز في كتابه تاريخ ايران «إن الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت، وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى إعجابنا وإكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا.. حقاً إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد».
هذه بعض المقتطفات البسيطة التي تختصر المشهد الحسيني في هيكله العام، وهذا هو الحسين بن علي بن أبي طالب الإنسان الذي خرج من أجل الإصلاح، وهو البطل الخالد بعنفوانه ومعانيه السامية في الوجدان العالمي.. فكان مع الخالدين.