هناك اختلاف كبير وشاسع بين «خطاب» الإنسان «الحر» والإنسان «العبد» الذي انغمس في بحر «العمالة» و«التبعية».
الشخص «الحر» يمتلك إرادة حقيقية، لكن التابع والعميل، هو الذي يدعي امتلاكه لهذه «الإرادة» بينما في الحقيقة إرادته هذه باعها منذ زمن في سوق نخاسة رخيص لمن يحركه يمنة ويسرة، ولمن يأمره فيطيع وينفذ، ولمن ينصب نفسه عليه ولياً ومرجعاً.
لذلك فإننا نقول دائماً إن مستغلي المنابر الدينية، والمحرضين المتدثرين برداء الدين هم أخطر على البشر من ممارس السياسة، فالأخير عمله سياسي وله أطره المحددة، لكن الأول عمله مغلف دائماً باسم الدين، يشتغل في السياسة ويقول لأتباعه «هو وحي من الله»، يتحدث في الشؤون العامة للناس ويفرض عليهم اتباع ما يقوله لأنه «يتحدث بلسان الله»، يسرق أموالهم وزكاتهم وصدقاتهم ويضعها في حسابات خاصة، بحجة أنها أموال منحت «لأولياء الله».
هؤلاء هم الذين يصنعون «عبيدهم» في وقت يوهمونه بأنهم «الأحرار» الذين لا يحنون رؤوسهم لأحد! طبعاً يحنونها لهم فقط.
هذا الأسلوب الذي عفا عليه الزمن، من محاولات سلب إرادة الناس، بات العقلاء ينفرون منه، وبات «الأحرار» فقط ينفضون من حوله، إذ كل التناقضات في مستخدميه - أي الأسلوب - وكل «الهرطقة» في مصدقيهم، إذ أي «حر» هذا الذي يتبع «عميانيا» دون نقاش أو إمعان عقل أو تفكير، يتبع شخصاً ينصب نفسه عليه في موقع «العقل» و«المخ» و«الوجدان» حتى؟!
لذلك نقول إن تصرفات «الحر» تختلف عن تصرفات «التابع»، تصرفاته تجاه وطنه ودينه ومجتمعه، تختلف عما سيتصرف عليه من يبيع أرضه لأن فلاناً «الوصي على إرادته»، أمره بذلك، يعادي نظامه لأن فلاناً «مرجعه الديني» يوالي نظاماً آخر أجنبياً، كما هو الحال الحاصل لدينا مع الموالين لخامنئي والنظام الإيراني، تختلف تصرفات الحر مع العبد الذي لا يفكر بعقلانية ومنطق ليستوعب بأن هناك من «يستغله»، هناك من يسمي نفسه شيخ دين، لكنه في الحقيقة هو «شيخ للتحريض»، حديثه سياسي لا ديني، أهدافه دنيوية ولا علاقة لها بالآخرة.
الحر هو الذي يكون حر الإرادة، لا من يبيعها لمن يشتريها بعمالة رخصت أو غلت، أو لمن يسلبها باستغلال الدين أو بأدوات تأثير أخرى، الحر يقول رأيه لا رأي غيره، الحر هو من يمثل بنفسه رقماً صعباً، لا مجرد رقم يحسب ضمن بقية الأرقام في قطيع يقوده شخص وسيلته في ضبط سير أفراده، تتمثل باستخدام أدوات الترهيب والترغيب المتنوعة والتي غالباً ما يكون اللعب على الوتر الديني مدخلاً لها.
تفكروا في هذه المعادلة التي نرى أمامنا أمثلة وشواهد عديدة تثبتها، وتصنف لنا الناس بسهولة، ومن هم الأحرار الحقيقيون، ومن هم المدعون بأنهم أحرار لكنهم في الواقع «ساجدون» لأنظمة أخرى، «راكعون» لبشر ومستغلون للدين، «كارهون» لدولهم وبقية أفراد مجتمعاتهم، وطبعاً لا قرار لهم ولا خطوات يقدمون عليها إلا بعد «فتوى» المرجع أو «أمر» المرشد.
لذلك تشعر دائماً بـ «الغثيان» حينما ترى نماذج «تثير الشفقة» عليها من هؤلاء، أبطال وهم، ومناضلي كلام، يدعون أنهم أحرار الإرادة، وأنهم المضحون بأرواحهم وأغلى ما يملكون من أجل مبادئهم وما يؤمنون به، بينما الحقيقة أنهم ليسوا ولاة أمرهم، ولا ملاك إرادتهم، لا يقوون على مخالفة رأي بسيط لماسك زمام نواصيهم، أو انتقاد فعل صغير لـ «وليهم»، أو قول «الحق» فيما يحصل لو خص إيران ومن يقع ضمن منظومتها من عملاء وخونة، وبالتالي «الأحرار» كلمة سهلة الكتابة، لكن التمثل بها هو الاختبار الذي يفشل فيه دائما «الخونة» و«العملاء».
الأهم، بأن «الحر» لا يدعي أنه «حر» ولا يصدع رؤوس وآذان الناس يومياً بأنه «حر»! لا يكررها إلا من يملك «شكا» في حريته، أو يعرف تماماً حقيقته، الحرية بأفعال صاحبها ومواقفه، وليست كلمة تستخدم كيفما اتفق.