الثبات على الموقف سمة من سمات الثقة والاعتماد والجدية، والعلاقة بين دول الخليج العربي وبين الولايات المتحدة الأمريكية بنيت لزمن طويل على مبادئ ظلت ثابتة وراسخة منذ تأسيسها حتى 2010 أي أنك تتحدث عن ما يزيد عن النصف قرن، وفجأة اهتزت هذه الثقة بعد أن اهتز ثبات الموقف، وأصبحنا لا نعرف ماذا تريد هذه الدولة بالضبط؟ وما هي قيمها ومبادئها التي تجمعنا وإياها على قاعدة مشتركة؟
هل تريد الولايات المتحدة الأمريكية مساعدة دول الخليج ومنها البحرين والسعودية في الحرب ضد الإرهاب أم لا تريد؟ هل تريد شركاء في الحرب على الإرهاب أم لا تريد؟ هل تريد طرد داعش من سوريا و العراق أم لا تريد؟
فإن أرادت ودعت دول الخليج ومنها البحرين والمملكة العربية السعودية إلى تقديم الدعم للقوات السورية الموجودة على الأرض –على سبيل المثال- باعتبار تلك القوات هي الوحيدة القادرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية على الأرض، فهل تضمن دول الخليج بأن هذا الدعم الذي ستقدمه لتلك القوات لن يعتبر في يوم ما وفقاً «لجستاهم» دعماً للإرهاب في حال غيرت الولايات المتحدة الأمريكية تصنيفاتها لتلك القوات يوماً ما؟
ألم تطالب الولايات المتحدة يوماً ما من دول الخليج في الثمانينات دعم القوات الأفغانية التي كانت تحارب الوجود الروسي في أفغانستان؟ أليست هي من حض دول الخليج على دعمها مالاً وعتاداً ورجالاً حين ذاك؟ أم نسينا؟ فإن أنبت ذلك الدعم فيما بعد تنظيماً عرف «بالقاعدة» وانقلبت تلك القاعدة على صانعيها وهاجمت الولايات المتحدة، أصبحت دول الخليج فجأة دولاً داعمة للإرهاب لابد من محاكمتها في المحاكم الأمريكية ومعاقبتها؟!!
أليس هو السيناريو ذاته يتكرر اليوم في سوريا؟ ألا تندرج دعوة الولايات المتحدة لدول الخليج اليوم لمساعدتها في طرد التنظيمات الإرهابية من سوريا تحت ذات البند الأفغاني في الثمانينات؟ من يضمن لنا أن لا تعتبر تلك المساعدة دعماً للإرهاب إن انقلبت تلك التنظيمات عليها بعد عشر سنوات؟!!
إن هذه الإدارة تتخبط أيما تخبط وتنسف مبادئ وقيم قامت عليها التحالفات ونظمتها قوانين ومعاهدات دولية لعقود طويلة، فجاءت هذه الإدارة لتسن لها قوانين خاصة لا تمت لأرض الواقع بتاتاً، وتنم عن سذاجة وجهل بالتاريخ والجغرافيا والحاضر والماضي ولا تعرف تبعاتها على المستقبل.
وهذا يقودنا لطرح تساؤل آخر حول هذا التخبط، هل تريد الولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية بحرية لها في الخليج العربي أم لا تريد؟ فإن كانت تريد، لأن لها مصالح حيوية في المنطقة لا يمكن أن تتخلى عنها، فهل ستربط وجود تلك القواعد بملف حقوق الإنسان في الدولة التي ستحط رحالها فيها؟
فإن فعلت، فهل ذلك يعني أن يبقى الأسطول الأمريكي على أهبة الاستعداد للتنقل بين الدول كل سنة في بلد حسب صعود وهبوط بورصة حقوق الإنسان في ذلك البلد؟! فإن رحلت من البحرين واستقرت في قطر مثلاً، فهل ستأمر الأسطول بفك قواعده والانتقال ربما إلى الكويت لأن حقوق الإنسان انتهكت في قطر والكويت ستكون أفضل؟ هل نلعب أم نحن نعمل بجدية؟ وهل ستأمن أي من دول الخليج لدولة حليفة كهذه كل يوم لها رأي؟
من بعد 2011 ظهر الحديث مرات عديدة عن ربط وجود القاعدة البحرية في البحرين بحقوق الجماعات الإرهابية الناشطة في البحرين، تحت شعار حماية حقوقهم، أي حقوق التنظيمات الدينية المتشددة والموالية لإيران.
الأسبوع الماضي دغدغ آذان الإدارة الأمريكية تقريراً كتبه ريتشارد سوكوليسكي نشرته مؤسسة كارنيغي إلى التفكير جدياً في نقل الأسطول الأمريكي من البحرين، إلى الكويت أو قطر، لأن البحرين لم ترضخ للنصائح الأمريكية بإطلاق سراح عملاء إيران حسب رأي الكاتب، ذلك النوع من الكتابات التي تدغدغ رغبات هذه الإدارة وتشبع غرورها وتمنحها ما تود سماعه، لا يضر البحرين بشيء، فالبحرين لم تعد تثق أو تعتمد على أمنها على هذا الأسطول، خاصة وقد ثبت تواطؤه في 2011 مع تلك الجماعات، البحرين تعتمد من بعد الله على نفسها وعلى أشقائها وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات، إنما أثبت هذا النوع من الطرح الأمريكي ليؤكد القناعات التي بدأت تترسخ حول اهتزاز مصداقية هذه الدولة بشكل كبير، وعدم الأخذ بأي تعهدات أو مواثيق تجمعنا وإياها مأخذاً جدياً، بعد أن ثبت تقلبها وتبدل سياساتها التي كان ثباتها مصدر للثقة، وبعد أن تبخر هذا الثبات تبخرت معه الثقة.
فاليوم تدفعنا أمريكا للتعاون معها ضد الإرهاب، غداً ستعتبر هذا التعاون دعماً للإرهاب، واليوم تقول نحن حلفاء وأسطولنا لتأمين سلامتكم مثلما هو لتأمين مصالحنا غداً.. «أوبس» اكتشفنا أننا لسنا حلفاء!!