يعد صدور المرسوم بقانون رقم «20» لسنة 2016 والذي قضى بتعديل بعض أحكام القانون رقم «26» لسنة 2014 بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بمثابة خطوة نوعية جديدة في سجل البحرين الحقوقي، لتؤكد المملكة من خلاله سعيها الدؤوب في تطوير منظومتها الحقوقية بكل عزم واقتدار.
حيث منحت هذه التعديلات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مزيداً من الاستقلالية والصلاحية في عملها.
وتأتي التعديلات الأخيرة مواكبة بل ومتفوقة على مبادئ باريس المعنية بالمؤسسات الوطنية الحقوقية في العالم.
وشهدت أولى التعديلات من خلال المادة «3» التي بينت أن أعضاء السلطة التشريعية المعينين في مجلس المفوضين لن تكون لهم الأغلبية في المجلس، وأن مشاركتهم في مناقشاته لن يكون لها صوت معدود.
وحول آلية إجراءات وضوابط اختيار أعضاء المجلس، نصت التعديلات صراحة على أن تشكيلة أعضاءه تكون من ذوي الاختصاص في المجال الحقوقي المدافعين عن حقوق الإنسان، وهم على طائفتين: أعضاء متفرغين بشكل كامل لأداء مهامهم، وأعضاء غير متفرغين، على أن يكون انتخاب رئيس مجلس المفوضين ونائبه من بين الأعضاء المتفرغين.
ولا شك في أن التفرغ والتخصص في المجال الحقوقي في عضوية مجلس المفوضين سينعكس إيجابا على عمل ومخرجات المؤسسة، ويمنحها المزيد من الاحترافية والمهنية في سبيل تحقيق أهدافها.
أما بخصوص الصلاحيات الممنوحة للمؤسسة بموجب المرسوم، نجد أن التعديلات قد منحت الأخيرة مزيدا من الاستقلالية والصلاحية في عملها من ذي قبل، ويتجلى ذلك بوضوح حين خولت المؤسسة صلاحية عمل الزيارات الميدانية المعلنة وغير المعلنة لرصد أوضاع حقوق الإنسان في أي مكان عام يشتبه أن يكون موقعاً لانتهاك حقوق الإنسان.
إن منح المؤسسة مثل هذه الصلاحيات يقطع دابر قول من يدعي عكس ذلك. فهي دليل قاطع على أن المملكة ماضية قدما في الدفاع والذود عن حقوق الإنسان، ولن تسمح بأي انتهاك لحق إنسان على أراضيها، وأن مبدأ الشفافية هو المنهج الذي تسير عليه.
ولا بد من التأكيد في هذا المقام على أن العديد من الدول التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، لا تتوافر لديها مثل هذه الصلاحيات في أجهزتها الداخلية المعنية بحماية حقوق الإنسان.
ومن ناحية أخرى، وفي سبيل تعزيز المنظومة الحقوقية للمملكة على المستويين الداخلي والخارجي، وتأكيدًا على مبدأ المكاشفة الحقيقية، تطلب تعديل المادة «21» ضرورة تضمين التقرير السنوي الصادر من المؤسسة على قسم يوضح مستوى التقدم الحاصل في وضع حقوق الإنسان في المملكة.
كما أضافت التعديلات ضمانة جوهرية هامة لعضو المؤسسة من جانب، ولمن يدعي بانتهاك حقوقه من جانب آخر.
وتتمثل الضمانة الممنوحة لعضو المؤسسة في عدم قابليته للعزل، وإذ نص التعديل على هذه الضمانة لهو تأكيد على منح العضو مزيداً من الاستقلالية والمهنية في عمله دون أي مساس لمركزه الوظيفي في المؤسسة.
أما على صعيد الأفراد، فقد سمح للمؤسسة التواصل مباشرة مع من يدعي التعرض لأي شكل من أشكال الانتهاك.
لا يختلف اثنان على أن المسؤولية قد تضاعفت على أعضاء المؤسسة، وينتظر منهم المزيد من العمل والجهد لتحقيق أهدافها، سيما في ظل الصلاحيات والضمانات الممنوحة لهم بموجب التعديلات الأخيرة، وكلنا ثقة بأنهم على قدر وكفاءة لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة.
وأود أن أنوه إلى أن التعديلات قد تضمنت خطاباً غير مباشر للأجهزة الحكومية المعنية، بضرورة التعاون والرد على كافة مخاطبات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان. ففي نهاية المطاف لن تكتمل المنظومة الحقوقية للمملكة إلا بتضافر وتكاتف جميع الجهود الوطنية سواء على المستوى الرسمي أو الأهلي أو حتى الأفراد.
ختامًا، نبارك للبحرين قيادة وحكومة وشعباً صدور هذه التعديلات، التي عكست بحق ما تصبو إليه المملكة من سعي حثيث لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، واتساقاً مع الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها المملكة وانضمت لها، وقبل ذلك، هي ترجمة حقيقية وعملية لنصوص الدستور وميثاق العمل الوطني.
* باحث دكتوراه في القانون العام