انتهت «عشرة عاشوراء» على خير، وانتهى القلق الذي سيطر على الكثيرين خلالها خشية حدوث ما قد يزيد من عمق الشرخ الذي صرنا نعاني منه وتسبب في الكثير من الآلام. لم يحدث خلال الأيام العشرة - أو بالأحرى الثلاثة الأخيرة منها والتي تخرج فيها المواكب الحسينية بكثافة - ما عكر الصفو وتسبب في الأذى، فالحمد لله والشكر لله على هذه النعمة. لكن القول بأن حالة القلق انتهت قول يصعب الجزم به، ذلك أن قلق الأيام العشرة الأولى من محرم طارئ وحرص الجميع على التعاون من أجل تجاوزه رغم أنها بدأت بمناوشات ما كان ينبغي لها أن تحدث، وهو أمر يسجل لهيئة المواكب الحسينية وأصحاب المآتم وإدارة الأوقاف الجعفرية، وللمحافظين ووزارة الداخلية التي بذلت الكثير من الجهود وسخرت أجهزتها ودفعت بالكثير من منتسبيها لتوفير الأمن والأمان للمشاركين في عزاء أبي الأحرار سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام. نجاح يسجل للمشاركين أيضاً وللجمهور، حيث بدا الكل حريصاً على إنجاح ما سعوا إلى إنجاحه كما في الأعوام السابقة. لكن المتبقي من حالة القلق المزعجة كثير ولابد من العمل معاً على تقليل نسبة القلق تلك والتي تتسبب في إفساد حياتنا، فما جرى في الأيام الأولى من محرم أكد أن البعض مهتم جداً بمنع إخراج البلاد من هذه الحالة بل بدا سعيداً باستمرارها.
تمكن أهل البحرين، الحكومة والشعب، من النفاد من قلق الأيام العشرة الأولى تلك يؤكد أننا قادرون على إيجاد نهاية سعيدة للمشكلة التي تم إدخال البلاد فيها منذ نحو ست سنوات، وبالتدقيق في أسباب النفاد تلك يتبين أن كل الأطراف ذات العلاقة عملت وبحرص كبير على التجاوز عن الأخطاء الصغيرة وعلى توفير هامش لاستيعابها وإيجاد المبرر لها، وهو الأسلوب الذي علينا اعتماده كي نعود إلى ما كنا عليه وفيه قبل تلك السنوات أو الاقتراب منها كي نصل إلى الحالة التي نرضى عنها جميعا ويزول عنا القلق نهائيا.
من الأمثال الشهيرة عند العرب قولهم «اتخذ لصاحبك العذر»، وهو قول مهم جداً ويعتبر مخرجاً عملياً لتجاوز كل مشكلة، فعندما ترى صاحبك يسير في اتجاهك ويتجاوزك من دون أن يبادرك بالتحية والسلام وكأنك غير موجود فإنك تكون أمام أمرين، إما أن تتخذ منه موقفا فتحاربه وتنهي الصداقة بينكما، أو أن توجد له المبرر الذي وإن لم تقتنع به يستوعب ما حصل، من ذلك مثلاً القول إنه يعاني من مشكلة سيطرت على عقله وشعوره فمر من دون أن يراني أو يشعر بي. بالتأكيد مشكلتنا أكبر من هذه ولا يمكن تطبيق هذا الأمر بحذافيره عليها لأننا نكون بهذا قد دخلنا في باب التسطيح، لكن القصد هو الابتعاد عن التركيز على الأمور الصغيرة التي يمكن بطريقة أو بأخرى تجاوزها حيث تجاوزها يفيد ولا يضر، والتعاون معا على حل الملفات الكبيرة التي إن تمكنا من حلها اقتربنا سريعاً من النقطة التي يمكننا الانطلاق منها إلى حيث الحل النهائي. كما إن الناس بشر فإن الحكومة بشر أيضاً، وحصول الأخطاء من البشر وارد وممكن في كل حين، لكن التركيز على الصغير منها يضخمها ويعقدها ويصعّب الإفلات منها، بينما تجاوز تلك الأخطاء برميها في الهامش الافتراضي الذي علينا جميعا أن نوجده لإيداع أخطاء الآخرين يمنعها من التضخيم والتعقيد ويسهل الإفلات منها. الوضع لا يحتمل تضخيم الأخطاء ومحاكمتها، وتجاوزها ينتج زيادة في المساحة المشتركة التي كلما اتسعت كلما تمكنا من التوصل إلى ما يعيننا على حل المشكلة أو على الأقل تقليل هامش القلق الذي يفسد حياتنا.