«العين بصيرة واليد قصيرة» مثل هزيل قديم يحتوي في مضمونه على كثير من السلبية والمسالمة، ويبين الوضع النمطي والذي من الممكن أن يتقوقع بسببه كل من الفرد أو الجماعة. جمل امتعاض وتذمر ترد إلى مسامعنا وتتردد على أذاننا إلا أن باتت جزءاً لا يتجزأ من واقع بليد يعيشه البعض.
أحياناً أقف متسائلة ما هو السبب وراء كل هذا الصمت المطبق الذي يساور البعض، وما يمكن أن يكون السر لعدم تحركهم وقربهم من المشهد عن كثب، دونما أية ردة فعل تحتسب لهم، لا يأخذون خطوة إلى الأمام؟! أو لماذا ليس لديهم الاستعداد أن يسجلوا موقفاً مهماً أو بسيطاً كان؟!
أيعقل أن مشاهد الدم التي باتت الآن تملأ شاشات القنوات الإخبارية نعتبرها أمراً عادياً على سبيل أن هذه الأمور أساسية وتشكل ملح حياتنا اليومية؟!
أيعقل أن أخبار النزوح والتهجير أصبحت لدى البعض من العاقلين كسماعهم عن رحلة سياحية؟ أو ما يعرف بـ «زوارق الموت» والتي تكون لمن حالفه الحظ الكبير وهم أقلية جداً بمثابة «طوق النجاة» فراراً من موت بات محتوماً في ديارهم، فقد تم اعتباره للأسف لدى شريحة أخرى من عديمي الضمير بأنها فرصة ذهبية لا تعوض!!
لذا، لا أخفي عليكم شدة الذهول التي اعترتني عندما سمعت من إحدى النفوس التي تتمتع بكم هائل من الحذاقة الفكرية على حد علمي ودرجة علمية لا يستهان بها ومرتبة مهنية عالية، عندما قالت لي «شو يبون أحسن من كذا، رايحين ديرة التكنولوجيا، ديرة العولمة، ديرة الخضار، والأجواء المناخية الحلوة، كل شي متوفر لهم، شو يبون أكثر من شذي؟! هنيئاً لهم ومالت علينا وعلى حظنا»!!!
ردة الفعل هذه أشعلت داخلي بركاناً من العصبية لدرجة أن تلك الكلمات من أثر الصدمة كادت أن تخنقني. تصف الحال وكأننا نعيش في بيئة بائسة، وكأن الشح والقهر المادي يعم البلاد. هذا نموذج ولكن لا تستغربوا فإنه يوجد نماذج مماثلة كثيرة، تنظر إلى الكعكة في يد الفقير على أنها شيئاً من العجب. انظروا إلى الديرة خلال اليومين الماضيين يا جماعة الخير، الطرقات شبه خالية.. والسبب أن البعض يؤدي مناسك العمرة والبعض استغلها ليزور إحدى الدول الأوروبية، فعلى ماذا نحسد الآخرين!! على اغتصاب الآخرين لأراضيهم وأعراضهم!! على فقدانهم منازلهم وأهاليهم؟! لنتقي الله فيما أنعم به علينا من نعم.. ويكتمل المشهد الأخير بالموقف السلبي الذي اتخذته إحدى الدول العربية حيال تصويتها لصالح مشروع القرار الروسي. علماً بأنني أحاول أن أقنع نفسي بأنها سياسة بلد، لكن المشهد الدموي والإبادة البشرية التي يعيشها الشعب السوري كل يوم تجعلني أخرج عن دائرة الصمت والمنطق. فإن كان هذا موقف إحدى اهم الدول العربية في المنطقة، فنحن الشعب العادي برأيكم: «إيش نقدر نعمل!!!...».