تمنح تعاليم الدين الإسلامي لكل فرد الحرية الكاملة في أن يتصرف بماله، ويمارس نشاطه الاقتصادي في التجارة والزارعة والصناعة لتنمية هذا المال وزيادته ولكنها تشترط لمنح هذه الحرية وحمايتها احترام أحكام الشريعة الإسلامية. «فإذا ما حاول فرد أن ينمي ملكيته بالطرق التي لا تحترم هذه الأحكام سقط حقه في حماية الدولة له وجاز للدولة شرعاً أن تتدخل في هذا المجال لتمنع التعدي، ولتعيد الحق إلى نصابه، وأن تضرب على أيدي العابثين حماية لمصلحة المشروع».وبذلك تكون وظيفة الدولة وفقاً للتشريع الإسلامي هي حفظ الأمن والاستقرار في الداخل والدفاع عن الوطن ضد الأعداء من الخارج،لقد استطاعت الدولة الإسلامية أن تقوم بالوظائف الاقتصادية عن طريق نظام الحسبة: وهي الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله.واستطاع المجتمع المسلم من خلال نظام الحسبة «مراقبة الأسواق، والكشف عن الغشاشين والمحتكرين والمرابين، وغيرهم من الذين يتلاعبون بمصالح الناس، طمعاً في الربح دون رادع من ضمير أو دين، فكانت الحسبة هي السلطة التي تقوم بدور المراقب وهي تمثل سلطة الدولة في الدفاع عن مصالح المجتمع».ولابد من تعاون الأفراد والحكومة الإسلامية لانجاح وظيفة الحماية وتحقيق الصالح العام. ومن أهم الوسائل التي تستخدمها الدولة للقيام بدورها، المشروعات العامة ومراقبة النشاط الاقتصادي وتنظيم عرض النقود واتباع سياسات مالية ونقدية مناسبة كما إن مسؤولية الدولة في الإسلام تحقيق الضمان الاجتماعي في المجتمع.فالمجتمع لا يخلو من فقراء وأغنياء، وقد حاول التشريع الإسلامي أن يسد حاجة الفقراء بجميع أنواعهم، فشرع لذلك النظم الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة المرضية في المجتمع وهي الفقر. فالدولة الإسلامية مسؤولة مسؤولية كلية عن الفقراء والأرامل والعجزة وغيرهم ممن لا يقدرون على كفاية أنفسهم، ويحق لكل فقير أن يطالب الدولة بالإنفاق عليه إذا لم يكن هناك من ينفق عليه ولا يجد عمل يكفيه وهذه المسؤولية تجعل الدولة مسؤولة عن جميع أفراد المجتمع لأن الإسلام لا يعترف بمشكلة الفقر كأمر واقع.لذلك أوجد لها الحلول الكفيلة بالقضاء عليها، والتاريخ الإسلامي يؤكد أن الدولة الإسلامية كانت تنفق من بيت مال المسلمين على الفقراء والعجزة والأرامل وغيرهم.مما تقدم نلاحظ أن العلاقة في المجتمع الإسلامي بين الفرد والدولة والحاكم تتم من خلال كون الفرد هو المالك لجميع الأموال وهو صاحب الحق فيها.والدولة هي التي تسهر على سعادة هذا الفرد وأمنه واستقراره والحاكم هو الشخص الذي يقوم بحماية الفرد وخدمته، دون أن تكون له أية ميزة مادية أو معنوية عن بقية الناس. إننا عندما نتعرض لدراسة الفكر الاقتصادي الإسلامي، إنما نتعرض له من وجهين اثنين.الوجه الأول: اكتشاف مختلف الأفكار الاقتصادية من خلال ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف وآراء الفقهاء والفلاسفة المسلمين – سواء ما كان منها شرعياً أو أخلاقياً أو علمياً، ولا نريد أن يقتصر البحث هنا على الأفكار والنظريات العلمية، خصوصاً بعد أن أصبح لهذه الأفكار والنظريات اليوم أهمية تاريخية اكثر منها علمية مع العلم أننا لا نريد الاستخفاف بها إذا نظرنا إليها من هذا المنظار التاريخي لأنها قد تؤدي وظيفتها عندما يحتاج إليها المؤرخ الاقتصادي مثلاً، غير أن الأهمية العلمية المطلقة لهذه الأفكار قد أصبحت محدودة جداً. بسبب تطور الأبحاث الاقتصادية وقطعها مراحل حاسمة في طريق العلمنة.الوجه الثاني: تحليل وتدقيق المفاهيم الأساسية التي يدور حولها الفكر الاقتصادي الإسلامي. فنحصل من هذا التحليل على عرض هذا الفكر وتحديده كما هو بالحقيقة، وليس كما يحلو لبعضهم أن يراه. لقد وردت بعض المفاهيم غامضة إلى درجة ما فنجدها أحياناً مزيجاً من العواطف والأخلاق والتفكير العلمي. وهل يمكن الاستفادة من هذه المفاهيم وتطبيقها على وضعيات اجتماعية معاصرة.