الفارق بيننا وبين إيران هو أننا نتحمس لاتخاذ قرار ما في لحظة ما ونتخذه ونفرح باتخاذه ولكننا بعد قليل نهدأ وننساه وكأن شيئاً لم يكن، ومثال هذا واضح في كل قرار ذي علاقة بإيران نتخذه وإن كان بسيطاً، تماماً مثلما نتخذ قرارات مقاطعة البضائع الأمريكية أو الدنماركية أو غيرها في لحظة ولا نلتزم بها إلا في أول يومين ثم ننساها، بينما تتخذ إيران قراراتها ضدنا وتنفذها بدقة وبلا تراجع وبلا رحمة. هذا «الداء» الذي نعاني منه تستفيد منه إيران كثيراً لأن الذي يأتيها من كل قراراتنا هو الكلام فقط، وبما أن لديها هامشاً يستوعب كل الكلام الذي نقوله مهما كان كبيراً وخطيراً وتنساه لذا فإنها لا تهتم به أبداً. هذه إشكالية خطيرة تحتاج إلى التفاتة جادة وحلها سريعاً وإلا فإن إيران «ستأكلنا» ولعلها بعد قليل «تبتلع» دولنا وحينها لن ينفع الندم.
قبل أيام ضج نواب أمريكيون من موضوع استخدام إيران الأموال المفرج عنها من قبل أمريكا كنتيجة للاتفاق النووي بينهما في توسيع أنشطتها العسكرية ودعم الإرهاب فوجهوا رسالة إلى وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر ضمنوها كل ما توفر من معلومات عن كيفية استخدام تلك الأموال لتلك الأغراض، حيث الثابت هو أن إيران استفادت من المليار وسبعمائة مليون دولار التي تسلمتها من أمريكا نقداً وصرفتها على دعم الميليشيات التابعة لها مثل «حزب الله» في لبنان، و»الحشد الشعبي» في العراق، و»الحوثيين» في اليمن، ونظام بشار الأسد، ووفرت لها أنواعاً من الصواريخ المتطورة وكل ما تحتاجه من سلاح وعتاد.
إيران استلمت المبلغ واتخذت قرارها ونفذت على الفور، بينما نحن العرب والخليجيون اتخذنا الكثير من القرارات ضد إيران وتحمسنا لتنفيذها لكننا لم ننفذ شيئا منها. على سبيل المثال لا الحصر القرار أو التوجه الذي تم الاتفاق عليه ومضمونه إشغال إيران في داخلها مثلما عملت على إشغالنا في داخلنا واستخدمت الطائفية وتمددت من العراق إلى اليمن، فهذا القرار أو التوجه لم ينفذ منه شيء وكأن الحديث فيه كان هو الهدف والغاية. إيران قالت وكررت ولا تزال تقول وتكرر في كل مناسبة وبكل اللغات بأنها تعمل على إسقاط الأنظمة التي لا تقبل أن تدور في فلكها، ومنها بالطبع الأنظمة في دول الخليج العربي، لكن مقابل كل هذا لم نسمع من دولنا إلا كلاما وفي بعض الأحيان فقط، فلم يتم اتخاذ أي خطوة عملية لإشغال إيران في داخلها. إيران خصصت العديد من الفضائيات باللغة العربية لمهاجمة وزعزعة الاستقرار في مختلف دول الخليج العربي واليمن وسوريا والعراق لعل أشهرها فضائية «العالم» التي تعمل بشكل يومي على الإساءة إلى الأنظمة غير الراضية عنها ومنها البحرين والسعودية، ويكفي مثالا برنامج «حديث البحرين» الذي أباحت لنفسها من خلاله التدخل في شؤوننا الداخلية والإساءة إلى رموزنا والعمل على توجيه الرسائل المغلفة لعناصرها ومن تمكنت من الضحك على ذقنه لتنفيذ المطلوب منهم في الداخل.
مرات كثيرة تم الحديث فيها عن إيجاد فضائية تقوم بالعمل نفسه وتسعى إلى تحقيق الأهداف نفسها وتعين على إشغال إيران في داخلها، لكن لم يتم ترجمة هذه الرغبة وذاك الحديث إلى واقع، والنتيجة هي استمرار إيران في غيها وتسخير كل طاقاتها وقدراتها الإعلامية للإساءة إلينا وبالاستعانة ببعض «أبنائنا» الذين تستضيفهم على الهواء مباشرة من البحرين ليقولوا ما تريد منهم قوله وليسيئوا إلى وطنهم وأهلهم.
أن نتحمس لاتخاذ قرار ضد إيران التي اعتبرتنا هدفا ونتوقع منها الشر في كل حين أمر طيب، وأن نتخذ القرارات أمر طيب أيضاً، لكن لا قيمة لكل هذا إن لم يتبعه عمل.