استهل جلالة الملك حفظه الله ورعاه أمس الأول كلمته التي ألقاها في افتتاح دور الانعقاد الثالث للمجلس الوطني بهذه العبارة: «منذ انطلاقة مشروع الإصلاح الوطني بآماله وتطلعاته الرحبة، شهد وطننا العزيز، نهضة شاملة لا تخطئها العين المنصفة».
وبما أن الإنصاف ليس فطرة، ليس سمة من سمات كل البشر، حتى نتوقع من الجميع الإنصاف، الإنصاف سمة وآلية تفكير موجودة داخل النفس البشرية، فرب العزة خلق أنفسنا وسواها، وألهمها إلى جانب فجورها ومعها وفي نفس المكان والزمان ألهمها تقواها أيضاً، إنما «بني آدم» هو الذي له القرار في اختيار أي إلهام يريد وإلى أي إلهام ينساق له، أيختار التقوى؟ فيعدل في نظره وبصره حين يرى فينصف؟ أم يختار أن يفجر فيدعي أنه لا يرى؟
شكراً جلالة الملك لأنك لم تنتظر الإنصاف طويلاً من عين لن تنصف أبداً، شكراً لأنك قررت مع شعبك أن يكون القانون وتكون العدالة وحدها ميزاناً للإنصاف وهي معياره وهي حكمه، لا عيون جاحدة وناكرة.
فلدينا عيون يا جلالة الملك فجرت في خصومتها مع شعب البحرين لا معك فحسب، ولم تنصف أبداً هذا التطور الذي يرى بالعين المجردة لمن اختار إلهام التقوى، لم ترَ حرية التعبير ولم ترَ حرية العمل السياسي ولم ترَ حرية الانتخاب ولم تر حرية تكوين أحزاب سياسية وحرية تكوين نقابات واتحادات نوعية ولم ترَ تحسناً في دخل الأطباء والمعلمين والممرضين ولم ترَ نمواً في البنية التحتية ولم تر طرقاً تزيد وطاقة كهربية تتوزع وبيوتاً ومشاريع للإسكان تبنى ومراكز صحية ومستشفيات تعالج. وليتها اكتفت بالادعاء هنا أنها لا ترى إصلاحاً ولا ترى نمواً، بل جابت الدنيا لتكذب أعيننا وأعين كل من زارنا، بل وقبلت عيونهم الأموال من كل حدب وصوب تمول لها رحلات فجورها في عواصم أوروبية وأمريكية لتقول للعالم إن البحرينيين يكذبون، فأين الإصلاح؟ إنها لا ترى إصلاحاً وليس هناك إصلاح ليس هناك سوى مسرحية وكذب.
استمتعوا بكل حقوقهم الجديدة شكلوا الأحزاب وترشحوا وفازوا وأصدروا صحيفتهم وكان لهم مطلق حرياتهم في التنقل والسفر ووظفوا كل تلك الحريات لا لإنصاف البحرين إنما للطعن فيما يتمتعون به وتكذيبه.
تلك عيون لم ولن ترى، تلك عيون أعماها الفجور في خصومتها، كما أعمى بصيرتها مشروع طوباوي لن يتحقق إلا بهدم هذه الدولة، تلك عيون لن تنصف، لأن الإنصاف يفسد عليها حلمها ويقطع الطريق على مشروعها، من أين نتحرى الإنصاف واليد التي أخذت حقها هي اليد التي أنكرت أنها أخذت، والعين التي تمتعت بحقها أنكرت أنها رأت، وعلى رأي شاعرنا الكبير أمل دنقل
«أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى؟.... تلك أشياء لا تشترى؟» الإنصاف من الأشياء التي لا تشترى ولا تباع، الإنصاف إيثار على النفس أياً كان حجم شوائبها، وهذه مجموعة باعت نفسها لشيطان يضع بينها وبين الإنصاف حجاباً، فلا يمكن أن ترى.
شكراً لأنك تركت للعدالة والقانون أن ترينا درب الحق وتنصفنا جميعاً، ولم تجبرنا على انتظار عيون عميت بصيرتها أن ترى إنصافاً.