صدق أو لا تصدق أن من واجب الدولة أن تربي شعبها؟ اي نعم وهذا ليس انتقاصاً للشعوب ولا دعوة لدولة شمولية ديكتاتورية استكبارية، بل هو دور ومسؤولية وأمانة في عنق أي دولة تجاه شعبها.
أكبر الدول وأعظمها، من شرق الكرة الأرضية ومن غربها، ديمقراطية كانت أو غير ديمقراطية، ملكية كانت أو جمهورية، جميعها ستجد في دساتيرهم عبارة «على الدولة»، عبارة تحمل الدولة المسؤولية حين يتحدث الدستور عن غرس المبادئ والقيم، فالدولة هي من تملك المؤسسات وهي من تملك الدور الرقابي ولديها السلطات، وإن كان للمنزل دور في التربية الأخلاقية للنشء إلا أن ذلك لا يعني أنه وحده المعني بتلك المسؤولية.
ها هي الحكومة اليابانية أصدرت وثيقة توجيهات تجعل تعلم العادات الحميدة التي كانت سائدة قبل نحو ثلاثة قرون في حقبة زمنية أطلق عليها اليابانيون حقبة إيدو، مادة دراسية إجبارية ستبدأ مدارس اليابان بإدخالها في المنهج بدءاً من عام 2018 وتمتحن طلابها فيها.
يقول اليابانيون إن حقبة إيدو ازدهرت فيها اليابان وتطورت، وكان لتطور نظام التعليم في البلاد أثره الإيجابي على الحياة الفكرية، نحن نتحدث عن فترة ما بين عام 1600 إلى عام 1800 ميلادي!! اليابانيون يقولون إنه في حقبة إيدو ظهرت حركة جديدة قام فيها جمع من المدرسين بعمل بحوث ودراسات شملت كامل البلاد «كوكو غاكو» أي الدراسات الوطنية. أخذ هؤلاء الدارسون يبحثون في الكتابات القديمة، كان هدفهم استخراج كل النصوص التي تشبعت بالروح القومية اليابانية، فكان أن ازدهرت علوم اللغويات الببليوغرافية «الدراسة اللغوية للوثائق المكتوبة» وكذا علوم التاريخ.
حكومة اليابان أعلنت هذه السنة أنها ستدرس «الأخلاق»، أي أنها ستتدخل في تربية الشعب، وستكون مادة أساسية وإجبارية في المدارس بحلول العام الدراسي 2018، وعزت قرارها إلى وجود علاقة بين تراجع مستوى الأخلاق لدى طلاب المدارس الابتدائية وبين تزايد معدلات الجريمة بين الأحداث، وستتضمن المادة الجديدة التركيز على تعليم الأطفال أدق التفاصيل، مثل طريقة المشي، ومستوى الصوت، ودرجة الانحناء عند التحية التي تزداد وفقاً للمكانة الاجتماعية للشخص الآخر، وصولاً إلى الكلمات التي يجب اختيارها عند مخاطبة الآخرين، كل حسب عمره.
وتقول وزارة التربية والتعليم اليابانية إن الهدف من إحياء هذه التعاليم هو تشجيع الطلاب على التفكير دون تحيز، ومنع المضايقات والإساءات في المدارس، للحيلولة بين الأحداث وبين ارتكاب جرائم.
وفي تقرير «لمراسل قناة الجزيرة» قالت مديرة إحدى المدارس الابتدائية -وتدعى ميكو ناروسيه- «لاحظنا في السنوات الأخيرة تزايد المشاكل العائلية وابتعاد الأطفال عن ذويهم وانعدام التواصل الأسري، ونعتقد أن الحل هو في استعادة الأخلاق التي تحافظ على الاحترام بين أفراد المجتمع».
وكانت الدروس التي يحضرها الأطفال في المدارس لمادة أخلاق إيدو اختيارية حتى الآن، لكنها ستصبح إجبارية في المناهج الجديدة التي تعمل الحكومة اليابانية على تعديلها بدءاً من 2018.
تخيلوا لو هذه الدعوة أطلقناها في البحرين؟ أو في أي دولة عربية، أي أننا طلبنا من الدولة من الحكومة أن تربي الشعب وتتدخل ولا تترك الأمر للأم والأب فحسب، وأن تضع منهجاً ومادة إجبارية يتعلم فيها طلاب المدارس كيف يسلمون وكيف يتكلمون وكيف يحترمون و»يوجبون» الكبير وكيف يجلسون في المجالس وكيف يتحدثون، وأوكلنا للدولة أن تعلمهم «السنع» العربي والاعتزاز بقوميتهم عروبتهم وبثقافتهم، أعتقد لو أن دعوة كهذه أطلقت في البحرين حتى ماء زمزم لن يطهرنا من ألسنتهم التي ستكيل الاتهامات والانتقادات، إنما في اليابان فتلك فكرة ألمعية وذلك توجه محمود، وذلك رقي ولم يقل أحد تلك الدعوة رجعية ولم يقل أحد إنها شوفينية، أو ذلك إغراق في المحلية!!