«من شب على شيء.. شاب عليه»، هذه ليست مقولة أو فقط مجرد حكمة أو مثل اخترعوه أجدادنا منذ سالف العصر والزمان، وإنما هي حقيقة علمية أثبتتها مجموعة من الدراسات الخاصة بعلوم الإنسان وسلوكيات الفرد والجماعة. حقيقة لا يمكننا أن نلغيها أو نتجاهلها ولا أعتقد أنهم كثر من ينكرونها. وبما أنني لا أحب أن أعمم، فاعترف دوماً أنه لابد أن يكون «لكل قاعدة استثناء»، كي تقلب الموازين الدنيوية المتعارف عليها بفعل مجموعة من العوامل الإرادية أو اللاإرادية.
ومع هذا لا يزال يؤسفني واقع المجتمعات بمختلف أجناسها وأطيافها وهي تعيش حالة «الحب المزيف»، أي الكراهية غير المعلنة. فأنا لا أقصد فقط المجتمع العربي فحسب، وإنما جميع المجتمعات إلا من رحم ربي، من هذه الآفة العقيمة، والتي هي سبب الهلاك الأساسي للمرء والجماعة على حد سواء.
نظهر ما لا نبطن، ونبدي ما لا نخفي، ونراوغ بمشاعرنا ونتجمل بها للحفاظ فقط على صورتنا أمام المجتمع العام الذي بات يلاحقنا بالصوت والصورة ويرصد تحركاتنا ومواقفنا من غير إعلان أو سابق إنذار.
لذا كيف نردد: «إنه لا فرق بين عربي وأعجمي، وبين أبيض وأسود إلا بالتقوى»، وعلى المنقلب الآخر، نمارس سياسة «أن من يختلف عنا فهو ليس منا، ولا ينتمي إلينا ويجب أن نرفضه جملة وتفصيلاً».
لا أخفي عليكم سراً، أنني كلما جالست أو خالطت مجتمعاً ما، اكتشفت مجموعة لا بأس بها تمارس الكراهية بتفكيرها، وتقوم بتطبيقها بطريقة غير معلنة مباشرة.
هذا أبيض أو أسود فأنا لا أحبه، هذا لا ينتمي لهذه القبيلة فأنا لا أتنازل وأجالسه، تلك غير متعلمة فأنا لا يمكنني مخالطتها، هذه غير محجبة أنا لا أجاريها، ذلك لا يملك مرتبة مهنية عالية فأنا لا أقدر للاجتماع به على طاولة واحدة. فهناك أم عندما تريد أن ترشد ابنتها، فهي لا تضرب لها مثلاً بإنسانة صالحة ومتميزة للاقتداء بها وإنما تضع نصب أعينها امرأة سيئة، وكأن الإنسان له الحق فقط بأن يرى زلات الآخرين ليجد نفسه مترفعاً عن الخطيئة.
وبعض الآباء كي يشجع ولده على الدراسة ونيل الدرجات العليا، فإنه يستعين بعامل النظافة كمثال للشخص الذي لم يجد فرصة طيبة له في حياة مريحة. ومن الأمثلة الكثيرة التي تعرفونها في أذهانكم جيداً، على أمل ألا تكونوا تطبقونها.
أليست هذه التصرفات نابعة من واقع كراهية مدفونة في أعماقنا تعكس النشأة التي تربينا عليها وعاصرناها؟! فالإنسان الصادق المحب لا يقلل من شأن أحد ولا يتظاهر بقبول الآخر زيفاً وزوراً.
فمن الذي أعطانا الحق في أن نترفع عن الناس ونجد أنفسنا أفضل منهم لسبب عرق، أو نسب، أو علم أو عمل؟!
لربما ما يمتلكونه من بواطن الأمور يفوق بكثير ما تراه العيون؟! فلنصحوا من غفلتنا وننظر إلى عمق الحقيقة بدلاً من أن نسير في سراب الحب المزيف الذي ابتدعناه للحفاظ على «بريستيجنا» المثالي أمام الناس.