بدأ البرلمانيون دور الانعقاد الثالث وبالكاد لا أحد منهم لم يتحدث عن أهم ملف سيناقشونه في الأسابيع القادمة، ونعني به ملف الميزانية العامة للدولة.
الحديث عن هذا الملف له تشعبات عديدة، والشواهد التاريخية كثيرة بشأن أساليب التعاطي مع الملف من الجانبين، السلطة التشريعية وشقيقتها التنفيذية.
أغلب كلام النواب اليوم يتركز على تحديد سعر النفط في الموازنة، وسط تحذير وتوجس من تحديده عند سعر الـ60 دولاراً، وأن المتوقع هبوط سقفه إلى 30 دولاراً ليكون أكثر واقعية نظراً لما يحصل في الاقتصاد العالمي وركود أسعار النفط.
الملف بالنسبة للمواطن يخلق لديه نوعاً من القلق، لكن بطريقة أخرى، فالحديث عن الميزانية يرتبط مع المواطن ذهنياً بحزمة مشاريع وتوجهات لا بد وأن تعنى بتحسين وضعه ورفع راتبه وتقديم المزيد من الخدمات له.
لكن المشكلة هي في استقراء المستقبل في ظل هذه الظروف، وهل بالإمكان أن نحسن وضع المواطن المالي أكثر، أو أن تزيد نسبة الخدمات بحيث تتذلل صعوبات أمام الناس، أو أننا نحتاج اليوم لميزانية فيها تقشف لكنها تستوفي الأمور التشغيلية بالأخص البنود اللازمة في موازنة القطاعات الحكومية؟!
لا أحد يمتلك طرحاً واقعياً مطلعاً على المتغيرات حولنا، يمكنه أن يقول وبكل بساطة وسهولة أن الدولة يمكنها تقديم ميزانية بإمكاننا من خلالها أن «نتبحبح» في المصروفات والمشاريع، وأن نغرق المواطن بزيادات أكبر عن السابق.
الطرح الواقعي يقول إن أمامنا وضعاً صعباً يتطلب حلولاً صعبة، وخيارات قوية، الأمل بأن تكون بمنأى عن الضغط على المواطن أو فرض أعباء جديدة عليه.
ما أعنيه، أنه لو لم نستطع اليوم بسبب الظروف التي نعاني منها، أن نمنح المواطن أشياء مباشرة تدخل في راتبه مثلاً، فإن علينا أن نسعى بقوة لضمان ألا تزيد الأعباء عليه من خلال زيادة الرسوم بغض النظر عن أي مسمى تأتي به.
الناس تعاملت بشكل تلقائي مع إعادة توجيه اللحم، وتقبلت على مضض رفع سعر البنزين، وكل ذلك حصل خلال العام الماضي، والأمل ألا يحمل العام القادم رفع رسوم أو ما يثقل كاهل المواطن.
الرسوم على السجلات التجارية زادت بنسبة معينة، الأمر الذي جعل بعض التجار يتكلمون، والخوف من تأثير ذلك على أصحاب الشركات وأصحاب الأعمال المتوسطة والصغيرة، وهي مسألة تدخل ضمن تداعيات الظروف الحالية، ما يعني أن المتأثرين من مختلفي المستويات والتنوع، بين المواطن صاحب العمل الحكومي، وحتى أصحاب الأعمال الخاصة.
نكتب ذلك في محاولة استباقية تهدف لتوجيه رسالة إلى الإخوة الكرام في مجلس النواب، إذ مشروع الميزانية نعرف تماماً بأنه يمثل لكم أكبر التحديات، بالتالي ما نترقبه أن يكون الطرح واقعياً والتعامل رصيناً والنتيجة خادمة بالفعل للوطن والمواطن.
نعم ستكون هناك مماحكات مع الحكومة ومع وزارة المالية التي ستتقدم بخطتها المتكاملة وتصوراتها لميزانية كافة القطاعات، لكن تعاطي النواب هو من المفترض أن يحسم المسألة.
لا نقول لكم «تذابحوا» مع وزارة المالية، وأرغدوا وأزبدوا وعطلوا إقرار الميزانية لشهور قادمة، بما يبهدل كافة القطاعات التي ستعيش في معاناة مصروفات حتى تقر موازناتها، بل نقول «تناقشوا» معهم، تعاملوا بما يخدم الناس، احرصوا على أن تكون هناك أمور ووعود وتوصيات لا تترتب عليها أي زيادة على كاهل المواطن، دققوا في المقترحات المقدمة لأوجه الصرف غير الاعتيادية، فندوا المشاريع وادرسوا أهميتها وضرورتها، ومرروا ما يتوجب منطقياً تمريره، وأوقفوا ما هو خارج الاحتياجات الضرورية.
التعامل بأساليب علمية، وبطرق متحضرة، هو الطريقة للتعامل مع أكبر الملفات أهمية وحساسية، المسألة ليست معركة، وليست تكسير عظام، وليست استعراضات إعلامية.
وزارة المالية ممثلة عن الحكومة في هذا الملف، ومجلس النواب ومعه الشورى كممثلين عن المواطن، لستم في حلبة مصارعة، أنتم بتعاونكم وبرقي تعاملكم يمكنكم أن تكونوا جهة قوية تحرص على خدمة البلد والمواطن، والتذكير دائماً هنا، أنتم حلفاء ولستم أضداد، وهدفكم خدمة المواطن.
المواطن يا جماعة، المواطن يا جماعة.