يبدو من الصعوبة بمكان الحديث عن إمكانية توفير الأمن الغذائي في بعض الدول العربية، بمعنى، أنه من الاستحالة الحديث عن مشروع زراعي - على سبيل المثال - يضمن مستقبل الأجيال القادمة في تأمين الطعام وكسرة الخبز لهم، وذلك لانتفاء كل مظاهر الاهتمام بالأرض والماء والزراعة بمعناها الحقيقي في وطننا العربي، لكن ما يمكن الحديث عنه هنا هو مدى قدرتنا على المحافظة على الأحزمة الخضراء في الكثير من المدن العربية التي اكتسحها الإسمنت خلال مراحل ما بعد النفط.
تعتبر مملكة البحرين من الدول العربية التي لا يمكننا الحديث فيها عن مشروع زراعي كبير يمكن أن يؤمن لناسها الغذاء والطعام على المدى القصير، فضلاً عن المدى البعيد، وذلك لمجموعة من الأسباب لسنا في وارد عرضها هنا، لكن من الضروري أن نثير قضايا تتعلق باخضرار الوطن وتزيينه بمساحات وأحزمة خضراء، ومع ذلك فإننا تنازلنا حتى عن هذه الجزئية في قضايا التشجير والاخضرار، وبتنا نقتصر على تشجير الأرصفة والشوارع بشكل خجول بدل أن نهتم بشكل مباشر وصريح بإعطاء الأحزمة المهمة في وطني لونها الأخضر!
لا يمكن أن نتعقل في بلد «كان يا ما كان» من أبرز البلدان العربية اهتماماً بالزراعة في أن يتحول إلى بلد لا يملك حتى حزاماً أخضر ليبقي ماء وجه تاريخه الزراعي براقاً ولو من بعيد، فكل الأحزمة الخضراء تقطعتْ أوصالها وبعدها لن يكون في مقدورنا سوى أن نرى قليلاً من الشجيرات والنخيل في بعض شوارع البحرين.
كلنا يعرف مدى الفوائد الكبيرة التي يمكن أن يعطينا إياها الحزام الأخضر، فمن أغراضه كما يؤكد علماء الزراعة أنه يعتبر مصدراً مهماً «لحماية البيئات الطبيعية أو شبه الطبيعية وتحسين جودة التهوية في المناطق الحضرية وحماية الطابع الفريد للمجتمعات الريفية وخلاف ذلك أيضاً تقليل تمدد الضواحي. ومن فوائده أيضاً المشي، والتخييم، وركوب الدراجات في المناطق القريبة من المدن والبلدات، كما أنه يسهم في تقريب موطن النباتات البرية والحيوانات والحياة البرية وفي ذات الوقت يعتبر وسيلة جيدة لتنقية الهواء والماء». يجب على الدولة أن تولي أهمية خاصة بالحزام الأخضر في البحرين، فهو يعتبر من أهم المشاريع التي تتعلق بالزراعة والحياة الفطرية وحمايتها، وبالنسبة لنا فلم تعد مناظر البنايات والأرصفة والأسفلت والأتربة مغرية لشعب بات يتوق للاخضرار والحياة الطبيعية في كل مناطق المملكة، فهل نحتاج لإنشاء حزام أخضر فعال باستصدار قرار يحفظ لنا تاريخ البحرين الأخضر؟ أم أن المسؤول غير «الأخضر» سيولي أهمية خاصة للأحزمة الخضراء في وطني؟ أسئلة تحتاج من الجهات المسؤولة إلى إجابات واضحة عليها ومحكمة وصريحة قبل أن يأتي اليوم الذي يمكن أن تقلع كل النخيل والأشجار من شوارعنا بجرة قلم مسؤول لا يعبأ بمستقبل الخضرة في البحرين.