تغيرت أغلب الوجوه في مجلس النواب البحريني، وثبت صوت قديم كرس أولوياته لمحاربة الموسيقى والفن، عبر التدخل في مناهج وزارة التربية والتعليم، وشن الهجوم الشرس على الأنشطة الثقافية الفنية في البحرين. ففي الأسبوع الماضي تعالت صيحات بعض النواب مطالبين «على عجالة»، بمنع تعميم تدريس الموسيقى في المدارس الحكومية والخاصة. وبوقف الحفلات الفنية التي تقيمها هيئة البحرين للثقافة والآثار، معللين بأن «الموسيقى سبب في زوال النعم، وأن تمتع الناس بالفن والحفلات يعد سلوكاً مجافياً لمراعاة معاناة إخواننا في سوريا والعراق واليمن».
قطاعان مؤثران لطالما كانا مطمعاً للفصائل السياسية والإيديولوجية وهدفاً للحملات الإعلامية المختلفة. إنهما قطاعا التعليم والثقافة، ومن يسيطر عليهما يتحكم في الوعي العام للشعوب وفي صناعة الرأي والتوجهات نحو مختلف القضايا وفي صياغة الشخصية المعبرة عن الهوية الوطنية. وقد نال هذان القطاعان نصيب الأسد من هجوم النواب واعتراضاتهم في السنوات الماضية. ولم تنطلق مواقف أغلب النواب من مشروع ثقافي أو تربوي أو رؤية تطويرية لمسارات القطاعين، بل لم تنطلق حتى من دورها الرقابي لأداء القطاعين في تلبية احتياجات المواطنين، ولم يحظيا بدعم واضح في مجال التشريعات أو الموازنات أو حتى المقترحات.
انشغل بعض النواب بالوصاية الثقافية والأخلاقية على العاملين في مجال التربية والتعليم، والثقافة. وانجرفوا نحو المزايدات على أخلاق المجتمع وقيمه، واحتكروا الصوت الإلهي في الحكم على مصائر الأمم انطلاقاً من شيوع الفن والموسيقى فيها وليس من تغلغل الفساد المالي والإداري وضياع حقوق المواطنين والخروج عن القوانين والأنظمة.
لم يحرك نوابنا الكرام لجان تحقيقاتهم تجاه أي وزير أثبتت تقارير الرقابة المالية والإدارية على وزارته وجود مخالفات ترقى إلى الفساد. لم ينظر نوابنا في وضع مواطنين آخذ في التردي. ولم يقدموا المقترحات لدعم الميزانيات الآخذة في التقلص والتقشف. وأغلب العاملين في وزارات الدولة يعرفون كيف يتدفق أقارب بعض النواب وأصدقائهم على التوظيف وكيف يعتلون الترقيات عبر مجاملاتهم للوزراء. وطبعاً.. فإن ذلك لا يسبب زوال النعم ونقمة الرب كما يسببه الفن والموسيقى! ولم يكن الفساد وبطانة السوء وتفشي النفاق سبباً في انهيار الأمم من وجهة نظر بعض نوابنا!
هؤلاء النواب لا يمثلون الهوية الثقافية للبحرين التي عاشت طويلاً محبة للفن والغناء والانفتاح على ثقافات الغير، والتي عبرت عن كثير من مكنوناتها ومكبوتاتها ومواقفها الاجتماعية والسياسية، عبر صوت النهام في رحلات الغوص الطويلة والقاسية والمفارقة للأهل والأحباب، تلك الرحلات المؤلمة التي يتسلط فيها بعض النواخذة على الفقراء بالدين والاضطهاد. والتي تصدت للتمييز الطبقي وللفقر ودعمت المرأة والحرية والحب ومجدت البحر والغيم والنخيل عبر مواويل المطربين الشعبيين.
الفن لغة سامية وفكرة إنسانية لا تسكن الأرواح الموحشة التي هجرها النور. الفن تهذيب وتلطيف للأخلاق وبسمة آسرة تستقر في محيا البشر. والإمبراطوريات العريقة في تاريخها التي لم تنقطع صلتها بالحضارة والإبداع والعظمة كانت إمبراطوريات تمجد، من ضمن ما تمجد، الفن والرسم والنحت والرقص والتمثيل وتعتمدها دستوراً. عودوا إلى المكونات الثقافية للإمبراطوريات الهندية والفارسية والرومانية والروسية ستجدون أحد أكبر أبواب علومها، الفن وما حوى.