من المفترض أن تكون فترة عطلة أو راحة المجلس النيابي في البحرين فرصة للإخوة النواب كي يفتتحوا دور الانعقاد الجديد بمشاريع وطنية متميزة، فإن الفترة التي يتوقف فيها دور الانعقاد تعتبر فرصة لا تعوَّض من أجل مراجعة النواب لأدائهم ونقد تجربتهم للدور المنفض للدخول بقوة في الدور التشريعي الجديد بأفكار ورؤى مستنيرة وفاعلة.
بعد أن توقف المجلس النيابي أشهراً معدودات تمخض فأراً مشوهاً، ففي الوقت الذي انتظر الشعب أن يهب النواب لطرح قضايا بالغة الحساسية في هذه المرحلة الحرجة جداً من تاريخ الوطن، وتناول أزمات الناس المعيشية والحياتية بشكل جريء وواضح، صدَمَ بعض النواب ناخبيهم في أول جلسة لهم من دور الانعقاد الحالي بطرح قضية تضحك الموتى قبل الأحياء، فما هي القضية الحساسة التي تبناها الإخوة النواب في جلسة يوم الثلاثاء الماضي؟
القضية وما فيها أن بعض النواب أفتى من داخل المجلس -وليس من داخل المسجد- بحرمة الموسيقى وهاجموا فيها الدروس الموسيقية داخل المدارس الحكومية والخاصة، وقالوا «إنها مفسدة ودمار للطلبة ومزيلة للنعم بسبب المعاصي التي ترتكب من خلالها خلال الليل والنهار»، وفي نهاية الجلسة ناقش المجلس قضية خطيرة ومصيرية للغاية، حيث وافق المجلس على رفع طلب عاجل إلى الحكومة بوقف حفلات الرقص والغناء التي تقيمها هيئة الثقافة!
يقول المثل الشعبي «صامْ صامْ وفطر على بصلة»، فحين تنحصر هموم نوابنا الأعزاء -التي يجب أن تكون هي ذاتها هموم ناخبيهم- في دروس الموسيقى والغناء وحفلات ثقافية عالمية لهيئة الثقافة، وما إلى ذلك فاعلم أن هناك انحرافاً واضحاً في سير العملية التشريعية داخل المجلس، فبغض النظر عن نظراتنا الأيديولوجية المعتدلة أو المتطرفة، فإن طرح قضية تعليم الموسيقى للأطفال باعتبارها كارثة وطنية ودولية داخل أروقة المجلس فهي الكارثة بعينها، وهي الدليل الأقوى على انكسار بوصلة التشريع النيابي بشكل محزن. حين تكون الموسيقى أهم من الغلاء وارتفاع الأسعار وفرض مجموعة من الضرائب على المواطنين ووصول التقشف الرسمي إلى الحلقوم بسبب انخفاض أسعار النفط وتوقف البنية التحتية في كثير من مناطق البحرين إضافة لقضايا العاطلين عن العمل التي تتفاقم يوماً بعد يوم وكذا مناقشة مستقبل شبابنا وغيرها الكثير من القضايا التي تمس حياة وكرامة المواطنين، فاعلم أن النواب لا يعيشون في هذا الوطن وربما جاؤونا من جزر «الواق واق» أو من المريخ، وإلا من الاستحالة بمكان أن تكون هموم الموسيقى عند هؤلاء النواب أكبر من هموم مستقبل الناس وقضاياهم المصيرية، فإن كانت الموسيقى «حراماً» حسب فتاوى النواب، فإن الفساد وسرقة المال العام والإرهاب أشد حرمة من كل أشكال الموسيقى، لكنها الحرب المعلنة ضد حرية ودستور هذا الوطن، والوقوف صوب التطرف السياسي والديني بشكل لافت، فكلنا يعلم في النهاية بأن الموسيقى لا تخرِّج إرهابيين ولا متطرفين، كما أن حفلات الثقافة المفعمة بالروح والحيوية ليست هي الخطر الذي يهدد لقمة عيش المواطنين، بل إن عزل الممارسات السوية والطبيعية كسماع الموسيقى وغيرها عن حياة المجتمع هي الخطر الحقيقي الذي يمكن أن يخلق جيلاً شبابياً متطرفاً نحن في أمسِّ الحاجة أن نكسبه إلى جانب الاعتدال والعلم والمعارف الإنسانية والفنون بشتى أصنافها، ولهذا نرجو من بعض النواب غير القادرين على ترتيب أولوياتهم التشريعية حتى اللحظة أن يكرمونا بترتيب أولوياتنا أو بسكوتهم.