يعد التعليم واحداً من أبرز محاور المشروع الإصلاحي، الذي قاده حضرة صاحب الجلالة، الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، منذ ستة عشر عاماً، باعتباره الأساس الذي يبنى عليه إصلاح كافة المجالات الأخرى، والفضاء الذي يتطور البشر من خلاله، ولذا شهدنا إصلاحا للتعليم في كل مراحله، استطاع أن يوفر الكفاءات الوطنية الجاهزة لسوق العمل ومؤسسات الدولة.
وما كان لهذا الإصلاح في المجال التعليمي أن يؤتي ثماره لولا وجود حكومة رشيدة يقودها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، تلك القيادة التي صنعت تاريخاً إصلاحياً وتنموياً يضاف لتاريخ البحرين الحديث والمعاصر، والذي اهتم بالتعليم لأبناء البحرين اهتماماً كبيراً، جعله يعطي أوامره باستمرار لتنفيذ سياسة الحكومة تجاه تطوير التعليم والارتقاء بمستواه، وتعزيز الرقابة عليه لضمان تحقيق الجودة المطلوبة، واستقطاب مزيد من مؤسسات التعليم العالي العالمية، ومواصلة الجهود لتنمية قدرات الهيئات الأكاديمية في المؤسسات التعليمية المحلية. وبالتالي كان اهتمام سموه بإصلاح وتحديث كل مظاهر التعليم بدءاً بالمؤسسات ومروراً بتحديث وتطوير المناهج وانتهاء بتقديم تعليم ذات جودة عالية ناهيك عن رعايته السنوية لحفل تخريج الأفواج الطلابية من جامعة البحرين، تلك المناسبة التي باتت عرساً للجامعة ينتظره منتسبوها كل عام، حيث تبتهج فيها الجامعة بقدوم سموه ووجوده بين أبنائه.
كذلك فإن هذه التوجهات الإصلاحية ما كان لها أن ترى النور بالشكل الذي هي عليه الآن، وفي هذا الوقت القياسي من عمر الشعوب، لولا جهود وجولات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، في مدارس البحرين ليتابع بنفسه العملية التعليمية من داخل المدارس إلى جانب توفير المنح الدراسية للمتفوقين، وتقديم الدعم الكامل لهيئة ضمان الجودة حتي يتسم التعليم بالجودة العالية في مكوناته ومخرجاته.
إن هذا الاهتمام الكبير الذي يناله القطاع التعليمي قد أدى لمزيد من التوسع في كمه والتطور في نوعيته، من خلال استراتيجية علمية مدروسة عكف على تنفيذها معالي وزير التربية والتعليم الدكتور ماجد النعيمي، حيث شهدنا جهوداً كبيرة بذلت لتطوير المدارس بكل مراحلها وكذلك المناهج الدراسية وإدخال التقنية للمدارس ووضع مقررات للمواطنة وحقوق الإنسان في كل المرحل التعليمة والجامعية لغرس قيم المواطنة والانتماء وحب الوطن في نفوس الأجيال الشابة من أبناء البحرين، حماية لهم من الغزو الثقافي والإعلامي الذي تقوم به وسائل الاعلام الدولية والإقليمية وشبكات التواصل الاجتماعي، عبر جهود مخططة تستهدف النيل من الشباب العربي، وهز ثوابته الوطنية، ولذا فجهود هذه الوزارة تمثل سداً منيعاً يقي شبابنا من هذه الموجات الوافدة، تلك الجهود التي جعلتها تنال التقدير في خطاب حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، في افتتاح دور انعقاد السلطة التشريعية في أكتوبر 2015 «تقديراً لجهودهم الحثيثة في خدمة العلم ونشر المعرفة في البلاد».
كما امتد الإصلاح للتعليم الجامعي، حيث يمر على إنشائه هذا العام ثلاثون عاماً، كان خلالها مصدر إشعاع فكري واستنارة عقلية وعلمية لأجيال متعاقبة، فمن خلال الأوامر الملكية السامية سمح لمن نالوا 70 % في الثانوية بدخول جامعة الحرين، وشملهم جلالة الملك بمكرمة انخفضت فيها الرسوم الدراسية لأكثر من 80 %، فتوافد الشباب على جامعتهم الوطنية فوصلت أعدادهم في بعض السنوات إلى 30 ألف طالب وطالبة، بعد أن كانت بضع آلاف، واستطاعت الجامعة أن تُخرج حتى الآن وفقاً لتصريحات رئيسها الأستاذ الدكتور رياض حمزة ما يزيد على 55 ألف طالب وطالبة، جلهم من المواطنين الذين وظفوا علمهم وخبراتهم في خدمة البلاد تلبية لمتطلبات سوق العمل.
وتعكف إدارة الجامعة خلال هذه الفترة على العمل للاستمرار في التطوير والتحديث تنفيذاً للمشروع الإصلاحي والاستراتيجية الوطنية لتحديث التعليم، حيث تشهد الجامعة الآن عمليات إصلاح وإعادة هيكلة شاملة للأقسام والبرامج الأكاديمية والمراكز العلمية والبحثية والالتزام بالمعايير الدولية في النشر العلمى وتطوير الدوريات والاهتمام الشديد بالبحث العلمي وتدشين برامج حديثة في الفنون والعلوم الصحية والتوسع في برامج الدراسات العليا، حتى وصلت إلى 28 برنامجاً. تلك الجهود الكبيرة جعلت الجامعة تقفز سبع نقاط على المستوى العربي لتصل للمرتبة الـ 33 بعد أن كانت في المرتبة الـ 42 قبل أربع شهور خلت، وهو معدل نمو عال، ورغم أن المنافسة هي مع جامعات عربية وخليجية لديها من الإمكانيات المالية والبشرية الكثير، إلا أن إدارة الجامعة على لسان رئيسها تضع نصب عينيها المراكز العشرة الأولى، كهدف يجب الوصول إليه في السنوات القادمة، إيماناً منه بأن هذه هي المكانة الحقيقية التي تستحقها جامعة البحرين، حتى يكون الإنفاق الرسمي في التعليم في مساره الصحيح لا مجرد شهادات تمنح أو درجات علمية يتم تحصيلها.
إن هذه الرؤية الحكيمة للتعليم من جانب الحكومة الرشيدة والقائمين عليه تجعلنا نعي أن التعليم هو قضية أمن وطني، إذ أن حماية العقول هي جزء من حماية الأوطان وبناء الأجيال المتعلمة والمستنيرة عبر نظام تعليمي متميز، وهو جزء من بناء الأمم ونهضتها لأنها ستقود لمجتمع متسامح ومتعاون ومتناغم ينظر لمستقبل الوطن بعيداً عن المصالح الشخصية والانتماءات المختلفة.
* أستاذ الإعلام المساعد بجامعة البحرين