بالتأكيد لا الحوثيون في اليمن ولا ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق ولا «حزب الشيطان» في لبنان ولا شبيحة الأسد في سوريا ولا أبطال حرق الإطارات واستهداف رجال الأمن في البحرين ولا غيرهم من المنظمات الإرهابية، جهات مستقلة وتملك قرارها وتخطط له، فهذه مجرد أدوات موقعية محلية تعمل لصالح إيران وبأمرها، وتنفذ مصالحها ومخططاتها.ووفق هذا السياق يكون الصاروخ الذي أطلقته ميليشيا الحوثي قبل أيام باتجاه مكة وأسقطته الدفاعات الجوية السعودية رسالة إيرانية بحتة، أرادت إيران منها أمرين، الأول بيان أن المملكة العربية السعودية غير قادرة على حماية مكة، لتعود إلى السطح قضية تدويل الحرمين مرة أخرى، وهذا لم يحصل وجاء بنتيجة عكسية، فالصاروخ أسقط قبل وصوله إلى الهدف، أما الأمر الثاني وهو الأهم، جس النبض الإسلامي بشكل عام، فمكة ليست خاصة بالمملكة العربية السعودية وحدها، وإنما هي لكل المسلمين كونها من أهم مقدساتهم واستهدافها استهداف للعالم الإسلامي بأسره، لترى بعد ذلك إيران كيف يتعامل المسلمون مع هذا الحدث الخطير، والحقيقة أن جس النبض هذا جاء موافقاً لدول الغرب أيضاً، فإن سكت المسلمون ومرت الجريمة دون عقاب رادع، كان ذلك برهاناً لإيران وغيرها على أن المسلمين لن يتحركوا للدفاع عن أنفسهم مهما حصل فهم لم يتحركوا للدفاع عن أقدس مقدساتهم، وهنا أستذكر قول رئيسة وزراء إسرائيل السابقة جولدا مائير بعد حرق المسجد الأقصى «لم أنم طوال الليل، كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجاً من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده».للأسف حتى لحظة كتابة هذا المقال مستوى رد الفعل العربي الرسمي لا يتناسب مع الجرم الذي اقترفته إيران، فالردود لم تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار، وكان الأولى اتخاذ إجراءات حقيقية، فعلى سبيل المثال منظمة التعاون الإسلامي يفترض بها اتخاذ إجراء حازم وتطرد إيران من عضويتها، ومجلس وزراء الداخلية العرب كان الأجدى به الانتقال إلى إجراءات عملية بدل بيان الاستنكار الذي أطلقه فهو معني بحفظ الأمن الداخلي الذي تهدده إيران، وباقي المؤسسات عليها اتخاذ إجراءات عملية تتناسب معها، أما التفاعل الشعبي الإسلامي فكان كبيراً ولكنه يبقى تفاعلاً مكبلاً، لأن الفعاليات الجماهيرية وجودها في العالم الإسلامي شكلي، ويفترض بالدول الإسلامية منحها فرصة أكبر.إيران لم تقدم على هذه الخطوة بشكل مفاجئ فقبل عشر سنوات فجرت مساجد المسلمين في العراق وذبحت أبناءهم وانتهكت أعراضهم وأكملت ذلك العمل الخسيس في سوريا وسكت العالم الإسلامي ولم تفعل الدول الإسلامية أي شيء، ولذلك قد تكون إيران شبه متأكدة من أن أحداً لن يتخذ حيالها إجراء عملياً عندما تستهدف مكة، ولا أريد هنا أن تستغني الدول الإسلامية عن الحلول السياسية والأممية فطبيعة الدول الحديثة والنظام العالمي الذي تدور في فلكه يفرض عليها ذلك، ولكن لا بد من الرد على إيران التي لا تفهم إلا لغة كلغة المعتصم التي خاطب بها حاكم الروم «أما بعد فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك والجواب ما ترى لا ما تسمع» وإيران داخلها مهلهل ولديها البلوش والعرب والآذريون وكلهم أصحاب حركات تحرر يدعمها القانون الدولي، وهي ملفات تحتاج من يدعمها، فإيران تقول بصراحة لمن لم يسمعها أو لم يرد سماعها: «نحن نعلن الحرب على كل المسلمين».