أشد ما نحتاج إليه اليوم، قبل أن يفكر أي مسؤول أو حتى أي نائب ينسى أنه وجد للدفاع عن الناس، قبل أن يفكروا في التضييق على المواطن، ومشاركته في دفع ضريبة بعض السياسات غير الصحيحة أو ضريبة التعرض لظروف طارئة تؤزم الاقتصاد الوطني، أشد ما نحتاج إليه هي عملية «ضبط حقيقية» للإنفاق الحكومي وترشيد مصروفات بعض الوزارات والمسؤولين.
نورد هذا الكلام بمناسبة قرب تسليم نسخة جديدة من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، هي النسخة الثالثة عشرة منذ تأسيس الديوان ومباشرته أعماله الرقابية.
أربط المسألة بتوجيهات وأوامر سمو رئيس الوزراء حفظه الله في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، فيما يتعلق بسفرات الوزراء الخارجية، وتقنينها والاقتصار على المشاركات التي فيها مردود فعلي وذات أهمية لازمة للبحرين، وخلاف ذلك يمكن الاستعاضة بمسؤولين أقل درجة مهنية، خاصة وأن سفرات الوزراء فيها من الصرف الذي يقتضيه البروتوكول الكثير.
هذا توجه إيجابي نشكر سمو رئيس الوزراء عليه، وفي نفس الجانب نثمن وجود عدد من الوزراء لديهم حس كبير من المسؤولية، وهم حريصون على عدم تكبيد خزانة الدولة مبالغ يمكن التوفير فيها، حتى لو كانت على حساب أنفسهم وفق ما تقتضيه أوضاعهم وصلاحياتهم، بأمل أن يحذو بقية الوزراء حذوهم.
لكن الكلام عن وضع مالي صعب، وفترة تستدعي التقشف والتفكير الجدي في ضبط المصروفات، هذا الكلام يجعلنا دائماً نذكر الحكومة بأن عليها المسؤولية الأولى قبل المواطن، وأنه لا قبول شعبياً للصيغة التي يوردها البعض من المسؤولين بأن «المواطن عليه أن يتحمل المسؤولية»، باعتبار أن المواطن متحمل للمسؤولية أصلاً، من واقع قبوله على مضض ببعض الإجراءات التي تمت حتى بدون أخذ موافقته أو النقاش مع السلطة التشريعية مثل قرار رفع سعر البنزين.
الكلام هنا بأن تتحمل الحكومة عبر قطاعاتها المختلفة المسؤولية في المقام الأول، هذه المسؤولية التي لو بالفعل أحس المواطن بأنها متحققة في الوزارات والقطاعات المختلفة، لربما وصل لمرحلة من التفهم وحتى التعاون، باعتبار أنه سيرى الحراك الحاصل هدفه البلد ولا شيء آخر.
لكن لا يعقل أن نطالب المواطن بأن يقبل بأن يضغط نفسه ومعيشته ويقصر على أبنائه، في نفس الوقت نرى الهدر المالي مستمراً، ونرى التجاوزات متواصلة بل تزيد، ونرى بعض المسؤولين لا مانع لديه بأن يحرق مبالغ كبيرة على أمور لو لم تقم، فلن يتأثر بها المواطن سلباً.
قريباً سيصدر تقرير إداري ومالي جديد، ينضم لسلسلة من التقارير السابقة، وهي التقارير التي نكتب عنها بشكل سنوي وقت إصدارها، ووقت استعراضات العضلات الإعلامية للنواب بشأنها على صفحات الجرائد «فقط»، ونظل طوال العام نذكر بها وأنه يجب أن تكون هناك إجراءات جادة وفعلية لمحاربة هذا الاستهتار المالي والإداري، بحيث يشمل كافة القطاعات والجوانب والمسؤولين المعنيين، لا أن يتطرق لحالات معدودة، إذ الهدف من التقرير فتح العين على جميع التجاوزات، وكثير منها يستدعي الضرب بيد من حديد على يد مرتكبيها، لأننا نتحدث هنا عن «مال عام» لا يجب الاستهتار فيه، ونتحدث عن «قطاعات عامة» وليست «أملاكاً خاصة»، بالتالي لا يجوز لأي مسؤول أن يتحكم فيها وبمصائر موظفيها «على هواه».
فيما يتعلق بخفض النفقات وارتباط ذلك بتقارير ديوان الرقابة، أتمنى لو تبرع لدينا عدد من النواب الكرام، وبالتحديد النواب الذين لا يخرجون علينا يوماً من الأيام بمقترح يضر المواطن، لو تبرعوا بأن يحسبوا لنا على امتداد التقارير الاثني عشر إضافة للتقرير الجديد «واعذروني إن ضاعت حسبة التقارير، فمن كثرتهم» لو يحسبون لنا حجم المبالغ التي هدرت بسبب سوء إدارة وسوء تصريف وسوء تخطيط.
نريد أن نعرف كم تسببت لنا أساليب الإدارة الخاطئة لدى بعض المسؤولين، كم تسببت للدولة وللمواطن بخسارة مبالغ طائلة، إما هدرت أو ضاعت.
هذه المبالغ كلها لو تمت المحافظة عليها ولو وجهت في أوجه صرفها الصحيحة، لما عانينا في كثير من الجوانب، لكان صرفنا على قدر احتياجنا ولكان لدى الدولة وفر مالي بدل إهداره.
بالتالي كمواطن قبل أن يطالبني أي مسؤول، وقد يكون هو أحد المتسببين بهدر المال العام، قبل أن يطالبني بـ«تحمل مسؤولية» أخطاء غيري، أتمنى أن تتحمل القطاعات الحكومية المسؤولية أولاً بكشف الأخطاء التي فيها من ناحية سوء الصرف المالي، وتصحيح هذه الأوضاع ومحاسبة المسؤولين عنها.
حتى أتقبل موضوع مشاركتي الحكومة في محنتها المالية، لا بد وأن تثبت لي الحكومة أنها حاسبت من أهدر المال العام وتسبب في حالات خطيرة معنية بالفساد الإداري، مع ضمان بألا يصل المواطن لمرحلة جسيمة من التضرر، بأن يصل لمستوى لا يقوى فيه على إعالة عائلته، هنا تكمن الخطورة.